سلسلة

    رحلتي من الظلمة إلى النور

              (6)

  صلبوه .. أم شبه لهم

                             

 

 

 

 

                      بقلم

             فيبي عبد المسيح صليب

            ناهد محمود متولي (سابقا)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                         بسم الآب ولأبن والروح 

                              القدس الله واحد

                                   آمين

              

 

 

            إهداء

إلى أبنائي الذين احبهم وسأظل ....

إلى كل من ساعدني وشجعني في إتمام هذا العمل ...

إلى السالكين في الطريق من الظلمة إلى النور أنني بدموع وصلاة أنتظركم ....

 

                                                            ناهد

 

 

 

 

حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلفة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                    المقدمــة     

      كانت هناك مواضع في المسيحية تقف حائلا دون اقتناعي بها ؛ بل كانت تدفعني تارة إلى الإشفاق علي المسيحيين وتارة إلى تكفيرهم والقول بأنهم حرفوا إنجيلهم وكتبهم. من بين هذه المواضيع وأهمها هو صلب المسيح ؛ وكلما أردت أن أعرف الحق في ذلك لا أجد أمامي سوى القران ؛ فهو القصص الحق في معرفة ما حدث للمسيح عيسى أبن مريم.

نعم كنت أؤمن أن القرآن هو آخر الرسالات وهو آخر أتصال بين الأرض والسماء وهو الكتاب الذي أرسله الله لكي يصحح الكتب السابقة التي حرفها اليهود والنصارى.

كان نظري قصيرا فلم يمتد إلى أبعد من القرآن ؛ فكتب النصارى وإنجيلهم تحرف ؛ لكن متى وكيف وأين مواطن التحريف وما هو هدف التحريف وأين الإنجيل الأصلي ؟؟ أسئلة لا يجب أن ترد على خاطري فهى كفر ؛ ولكن السؤال الأخطر أين أنجيل النصارى الذين مدحهم النبي وقال أن لا خوف عليهم وهم الأقرب مودة؟ أين أنجيل ورقة بن نوفل الذي رآه النبي في الجنة عليه ثياب بيض ويعوم عوم الدعموس " الضفدع الصغير" أين الأنجيل العبراني الذي ترجمه ورقة عم خديجة والذي ختم محمد بختم النبوة؟ ...

أسئلة لا يجب علي أن أطرحها أو حتى أفكر فيها ؛ فقد شربت هذا الأمر مع لبن الرضاعة وهو موضوع مؤكد لا يجب عليّ أن أبحث فيه أو أقترب منه فهو أمر محسوم حسمه شيوخنا الأفاضل وعلماؤنا الأجلاء وليس ليّ إلا أن اصدق وأأمن على ذلك.       

نعم كان ينتابني العجب والسخرية كيف للنصارى أن يقولوا عن نبيهم وإلههم أنه صلب وبصقوا في وجهه وكيف يتصور أن يكون المسيح أبن الله ويسمح الله أن يصلب أبنه وحبيبه ويسخر منه البشر!! وأبوه يقف يتفرج !! المسيح إلههم يصلب ويدفن ثلاثة أيام !! عجبي كيف يموت إلههم ومن كان يحكم العالم في الثلاثة أيام لعل الكواكب تصادمت وأنقلب العلم ...

كم كنت أنظر إلى المسيحيين بسخرية ما بعدها سخرية ؛ نعم كنت أتهمهم بالغباء والتدليس والكذب .. كنت أقول لو قرءوا آية واحدة في القرآن لعرفوا الحق " ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" ما أسهل الآية وما أوضحها ... نعم لا تحتاج لكثير عناء ...

لكن بعد رحلتي إلى الكعبة لإداء العمرة وحدث فيها ما حدث وبعد حواراتي مع سكرتيرتي المسيحية ؛ بدأت اقرأ القرآن بطريقة أخرى لا بطريقة الحفظ والتلقين بل بعيون فاحصة مدققة ؛ رحت أفكر في كل كلمة وما يعصى عليّ فهمه كنت أرجع إلى كتب التفاسير لا إلى أقوال الشيوخ الذين فقدوا مصداقيتهم تماما بعد رحلتي إلى الكعبة. بل ذهبت إلى أبعد من ذلك وكسرت الطوق ؛ فلماذا لا أقرأ كتب النصارى واليهود الإنجيل والتوراة ؛ بل لماذا لا أحفر في كتب التاريخ ؛ فالتاريخ ينطق بالصدق ولا يستطع أحد أن يزوره وإن كان المنتصرون هم الذين يكتبون التاريخ ؛ فلماذا لا أقرأ كتب التاريخ الإسلامي حتى أكون في مأمن من التزوير ....

كانت المفاجأة والحيرة التي ما بعدها حيرة ؛ العلم والعقل والتاريخ وكتب اليهود والنصارى كلها في ناحية والقرآن وحده يقف في ناحية عاريا من أي سند من التاريخ أو العقل أو منطق ...

هل كنت أسير 45 عاما على ضلال ؟؟ هل من كفرتهم وسخرت منهم كانوا على حق وكنت أنا على باطل ؟؟ هل كان شيوخنا أمناء صادقين أم كذبه محرفين مزورين ؟ ماذا أفعل فيما توصلت إليه وبت على قناعة تامة من صحته؟ هل أكابر وأصر على ما كنت فيه مغلقة عيني وعقلي على ما توصلت إليه؟ كيف أقف أمام الله الديان العادل العارف بخفايا القلوب والذي أنار لي وعرفني الحقيقة؟ نعم كانت الحقيقة أنصع من أن تطفئ نورها عقبات الأهل وغضبهم وحد الردة ومطاردات أمن الدولة وتطاول زملائي المسلمين علي بالقول بفسوقي وكفري ولعنة الله عليّ إلى يوم الدين هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى هروب زملائي المسيحيين مني وفرارهم كما الفرار من الأسد أو الجمل الأجرب.

نعم كانت الحقيقة أقوى من كل ذلك وها أنا أضعها أمامكم كاملة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

             آيات تقودي للبحث

     كنت أعتقد أن النصرانية كما اليهودية والإسلام هم ثلاث ديانات سماوية لكن النصارى واليهود طال بهم الزمن فحرفوا كتبهم فجاء الإسلام أخر رسالات السماء والتي ما بعدها رسلات ؛ وهي الرسالة التي ألغت ونسخت ما قبلها ؛ والقرآن هو القصص الحق ؛ تلك هى المسلمات والبديهيات التي كانت لا تقبل النقاش ؛ لكن بعد أن قرأت آيات القرآن وجدت فيه آيات تمدح النصارى وتثني على إيمانهم وكتبهم وتتوحد معهم في إله واحد وآيات تكفرهم وتناقض إيمانهم بل وتقول بأنهم مشركين وكفار وكأن موقف القرآن من النصارى موقفين متباعدين متناقضين وكأن النصرانية نصرانيتين وكأن النصارى فرقتين ؛ فقلت ربما كانت هناك فرقتين فرقة على الإيمان الإسلامي من صلب الشبيه وفرقة ثانية على الإيمان بصلب المسيح ؛ ففكرت أن أبحث وأحفر وأتتبع آثار هؤلاء النصارى الموافقون للنبي والقرآن على أن المصلوب هو الشبيه ؛ والأقرب للعقل وجب عليّ أن أجد هؤلاء في عصر النبي أو قبله فليس من المعقول أن يتحاور النبي مع أحجار أو يمدح نصارى لا وجود لهم وتلك هى الأيات التي أثارت فيّ روح البحث :

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(البقرة : 62)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة : 69)

أين هؤلاء النصارى الذين لا خوف عليهم ولهم أجرهم يوم القيامة؟ هل هم نفس النصارى الذين يؤمنون بالصلب؟ بالطبع لا ... لابد أنهم نصارى كانوا في جزيرة العرب أو نصارى قبل الإسلام أو نصارى في عصر النبي كان لهم إيمان لا يقل بالصليب والصلب ولابد أن أبحث عنهم وأجدهم؟

إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (آل عمران :55)

أين هم هؤلاء النصارى الذين إتبعوا عيسى ووعد إله محمد أن هؤلاء فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة؟ هل هم حواري المسيح؟ هل هم نصارى في حقبة معينة من التاريخ؟ أين هم؟ أين كتابهم الذي يتوحد مع محمد في صليب شبيه المسيح وإلههم وإله محمد واحد؟  

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ  (المائدة : 82 ـ 83)

أين هم النصارى الأقرب مودة للمسلمين؟ هل هم النصارى الذين يؤمنون بالصلب والصليب أم هم نصارى يتفقوا مع الإسلام في إنكار الصلب والصليب وتكفير من يقول به؟ أين هم النصارى الذين ترق قلوبهم مع رقة ألفاظ القرآن وتطابقه مع إيمانهم فتفيض عيونهم بالدمع الغزير؟ هل كانوا يعيشون في عصر النبي؟ أين هى ديارهم هل لهم أثر أم أنشقت الأرض وأبتلعتهم؟ أين كتابهم الذي يقول بصلب شبيه المسيح؟ يردد شيوخنا هذه الآيات كثيرا في إبراز موقف الإسلام من مودة النصارى ؛ على من تنطبق؟ هل تنطبق على نصارى هذه الأيام الذين يقولون بصلب المسيح؟ أم نصارى لا وجود لهم وما كلام الشيوخ إلا كلام في الهواء أو ذر الرماد في العيون أو خداع للبسطاء أم نفاق من شيوخنا ليس إلا؟ أين الحقيقة؟ لابد أن أسعى في طلبها وسأجدها مهما كلفني معرفتها.

ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (العنكبوت : 46)

أين هم النصارى الذين يتوحدون مع المسلمين في عبادة نفس الإله ؟ أين هم النصارى المأمورون نحن أن نجادلهم بالحسنى ؛ هل هم النصارى الذين يقولون بصلب المسيح أم يجب أن يكونوا نصارى لا يقولون بالصلب ويكفرون من يقولون به؟ ويجب أن ينص كتابهم على صلب شبيه المسيح؟

وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (المائدة: 46 ـ 47)

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (المائدة : 66)

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (المائدة :68)

أين هذا الإنجيل الذي يطالب النبي النصارى بتطبيق أحكامه ومن لم يحكم به فهو فاسق؟ هل في هذا الإنجيل حديث عن صلب المسيح أم حديث مطابق للقرآن بأن شبه لهم الصلب وصلبوا البديل؟ القول بالتحريف أو الرفع للإنجيل الصحيح طعنة للقرآن وللنبي فلا يعقل أن يقول هذه الآيات المحكمات ويطالب بتطبيق أحكام كتاب محرف أو مرفوع أو منسوخ ؟ وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 40)

هل هذه البيع أو الكنائس كان يرفع فيها الصليب؟ بالطبع لا ... أين أجد هذه البيع أو الكنائس التي كان يرفع فيها أسم الله ولا يرفع فيها الصليب؟

ثم يأتي القرآن ويصفعني بآيات تكفر النصارى وتجعلهم كفارا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  (المائدة :51)

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ الله ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ (التوبة:30)

في هاتين الآيتين وغيرهما صفعني القرآن صفعات قوية وبعد أن كان النصارى الأقرب مودة واليهود والذين أشركوا هم الأشد عداوة أصبح النصارى واليهود في سلة واحدة ولا يجب أن أتخذهم أولياء أو أصدقاء والآية الثانية قالت النصارى المسيح إبن الله وساوى القرآن بينهم وبين الذين كفروا ووسط تلك الحيرة قلت ربما كانت النصارى فرقتين فرقة على الإيمان الإسلامي وفرقة تقول بالمسيح إبن الله رغم أن كلمة النصارى لا تعني وجود فرقتين بل كل النصارى لكنني فقلت سأبحث عن تلك الفرقة وسأجدها أو سأجد الحقيقة التي كانت هدفي ؛ نعم تلك الآيات كانت بمثابة المنخاس الذي يوخذ ضميري إذا غفا أو أنتابني شئ من التراخي أو الكسل أو الفتور فأعود أنشط مما كنت ؛ نعم كانت هذه الآيات بمثابة الدليل الذي وضعته أمامي وأخذت أجري خلفه لكي أصل إلى هؤلاء النصارى الذين لا يقولون بالصلب والصليب ويقولون أن المصلوب شبه المسيح. هل هؤلاء النصارى كانوا في جزيرة العرب أم في كل أنحاء العالم؟ هل هم عرب الجاهلية من النصارى؟ هل هم حواريّ المسيح؟ ماذا قال التاريخ عنهم ؟ أين النصارى الذين هم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة؟ هل لي أن أستنطق التاريخ وأبحث عن هؤلاء النصارى؟ وقد فعلت وجريت أحفر التاريخ وأتتبع أي خيط يقودني إلى هؤلاء النصارى الذين ينكرون صلب المسيح ويقولون كما قال القرآن بأن الذي صلب هو شبيه المسيح واضعة نصب عيني أن أعرف من صلب هل المسيح أم شبه المسيح؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    كلمة التاريخ في صليب المسيح

عندما تتضارب أقوال البشر ربما تكون كلمة الفصل والصدق نلتمسها فيما ينطق به الحجر !!

لقد سطر البشر الكثير من الحوادث والأحداث على جدران المعابد وعلى الأحجار وكان لكلمة التاريخ كلمة الفصل ؛ فلماذا لا ابحث قليلا في التاريخ وأعرف ماذا قال التاريخ في قضية هي من اكبر القضايا الخلافية بين المسيحية والإسلام ؛ لا بل هي جوهر القضايا حيث لا مسيحية بدون الصلب لا بل أكثر من هذا لا خلاص من الخطيئة إلا بصلب المسيح ؛ أما في الإسلام فتكفير من يؤمن بالصليب أمر لا نقاش فيه وحتى حسب التعبير العامي عندما كنت أسبهم أقول يا عباد الصليب ؛ وربما أخذني الحماس فكنت أنزع الصليب من صدور الطالبات وأطرحه أرضا ؛ وبرغم نفي الصلب والصليب في الإسلام وتكفير أتباعه فعندما كنت أرجع إلى القرآن أجد أن الصليب والصلب جاء في آية مقتضبة غامضة تقبل التأويل وتضاربت فيها أقوال العلماء تضاربا كثيرا ....

رحت أحفر في التاريخ أستنطقه واضعة نصب عيني آلايات المحورية التي جاء بها القرآن تمدح النصارى وإيمانهم فلزاما أن يكون هؤلاء النصارى على الإيمان الإسلامي الصحيح بأن لا يؤمنوا بالصلب والصليب للمسيح بل للشبيه فلعلي أجد أثرا لهؤلاء.

«أكتشاف صليب المسيح»

لقد كانت أولى الصدمات التي زلزلت كياني هي أن أغلب كتب التاريخ الإسلامي والتي لا يكاد يخلو كتاب منها إلا وذكر أن الصليب الذي صلب عليه المسيح كان موجودا بحوذة  النصارى قبل الإسلام بمئات السنين وضحى الآلاف من النصارى بحياتهم من أجله بل أن حواري عيسى منذ فجر النصرانية فقدوا حياتهم من أجل الصليب وتعرض بسببه النصارى للتعذيب بكل صنوف العذاب من قبل اليهود وعابدي الأوثان أما العذاب الأكبر الذي كانوا  يوجهونه للنصارى أن يأخذوا منهم خشبة الصليب ويدفنوها في الأرض ويخفونها عن أتباع المسيح.

وبفتح كتب التاريخ نجد أن للصليب قصص طويلة تأخذ مساحة واسعة من كتب التاريخ الإسلامي وها هى بعضها ؛ محاولة قدر أستطاعتي إختصارها ؛ لأنها كثيرة جدا بصورة مذهلة ؛ واضعة نصب عيني سؤالي الأساسي ؛ وهو البحث عن هؤلاء النصارى الذين لا يؤمنون بصلب المسيح بل يكفرون من يقول به ويؤمنون بصلب شبيه المسيح.

يذكر المسعودي في التنبيه والإشراف أخبار الروم القياصرة فيقول : وثالث ملوكهم أوغسطس ... وسمي قيصر تفسير ذلك بهذه اللغة شق عنه وذلك أنهم ذكروا أن أمه مات وهي مقرب به فشق عنه بطنها واستخرج وصار ذلك كالسمة كثير من ملوكهم‏.‏ واشتهر ذلك عنهم فسمتهم العرب بالقياصرة ملك ستاً وخمسين سنة وخمسة أشهر وأكثر من عني بأخبار ملوك الروم وتواريخهم بأوغسطس يبتدئ لأنه أول ملك من ملوك الروم خرج عن مدينة رومية دار مملكته وسير جنوده براً وبحراً فاستولى على ملك اليونانيين ومصر والشام‏.‏ وقتل قلوبطرة آخر ملوك اليونانيين فاجتمع له ملك الروم واليونانيين وزالت رسوم اليونانيين فسمي الجميع روماً وذلك لاثنتي عشرة سنة خلت من ملكه وولى هيرودس بن أنطيقوس على أورشلم وهي بيت المقدس وجبل يهودا وجبل الجليل ولاثنتين وأربعين سنة خلت من ملكه كان مولد المسيح عليه السلام ببيت لحم من بلاد فلسطين يوم الأربعاء لست بقين من كانون الأول وكانت مريم يوم ولدته بنت ثلاث عشرة سنة عند النصارى وكان جميع عمرها إحدى وخمسين سنة منها بعد رفع المسيح ست سنين ...  ولخمس عشرة سنة خلت من ملكه عمد إيشوع الناصري عند النصارى في نهر الأردن وكان المعمد له ابن خالته يحيى بن زكرياء ولذلك سمي يحيى المعمداني واسم أمه صابات وكان أكبر من إيشوع بستة أشهر ولسبع عشرة سنة خلت من ملكه وهي سنة 342 للإسكندر بن فيلبس الملك كان عند النصارى صلب إيشوع الناصري وذلك في يوم الجمعة الثالث والعشرين من آذار وهو عندهم منه مثل اليوم الذي أهبط فيه آدم من الجنة ومات عندهم ودفن وقام وانبعث من بين الموتى حياً وصعد إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة ولا يصعد عندهم إلى السماء إلا من نزل منها وكان فصح اليهود في هذه السنة يوم السبت لسبع بقين من آذار وفصح النصارى إلى قيامة المسيح يوم الأحد لست بقين من آذار والصعود يوم الخميس لثلاث خلون من نيسان والنصارى تصوم يوم الأربعاء لأن إيشوع ولد فيه والجمعة لأنه صلب فيه عندهم تطوعاً لا فريضة الخامس " ملوكهم" غائيوس بن طيباريوس ملك أربع سنين وقتل اصطفنوس رئيس الشمامسة والشهداء عند النصارى ويعقوب أخا يوحنا بن زبدي في خلق كثير من النصارى السادس "ملوكهم" قلوذيوس بن طيباريوس ملك أربع عشرة سنة وفي أول سنة من ملكه قتل أغريفوس عامله على الإسرائليين يوحنا بن زبدي أحد التلاميذ وحبس شمعون الصفا ثم خلص شمعون الصفا من الحبس وصار إلى مدينة أنطاكية والنصارى يدعونها مدينة الله ومدينة الملك وأم المدن لأنها أول بلد أظهر فيه دين النصرانية وبها كرسي بطرس ويسمى شمعون وسمعان وهو خليفة إيشوع الناصري والمرأس على سائر التلاميذ الاثني عشر والسبعين وغيرهم فشرع بطرس في بناء الكنيسة المعروفة في أنطاكية بالقسيان إلى هذا الوقت وفي السنة الثالثة من ملكه دخل شمعون الصفا مدينة رومية وسقف بها ودبرها سنين ودانت امرأة الملك وكان اسمها فروطانيقي ويقال لها بطريقية النصرانية وصارت إلى أروشلم وهي بيت المقدس فأخرجت الخشبة التي تظن النصارى أن المسيح صلب عليها ويسمونها صليب المسيح وكانت في أيدي اليهود قد منعوا النصارى منها فأخذتها منهم وردتها على النصارى وقوت أمرهم.

(*) التنبيه والاشراف للمسعودي

 

جاء في كتاب الكامل لأبن الأثير: ذكر غير واحد من علماء التاريخ أن الروم غلبت اليونان، وهم ولد صوفير، ... وكانوا يدينون قبل النصرانيّة بمذهب الصابئين، ولهم أصنام يعبدونها على عادة الصابئين ـ هل هم الصابئين الذين قال عنهم محمد بأن لا خوف عليهم ؟ ـ فكان أول ملوكهم برومية غاليوس..... ملك بعده ابنه غايوس أربع سنين، وهو الذي قتل اصطفنوس رئيس الشمامسة عند النصارى ويعقوب أخا يوحنّا بن زبدي، وهما من الحواريّين، وقتل خلقاً من النصارى، وهو أوّل الملوك من عبّاد الأصنام قتل النصارى.

ملك قلوديوس بن طيباريوس أربع عشرة سنة، وفي ملكه حبس شمعون الصفا، ثم خلص شمعون من الحبس وسار الى انطاكية، فدعا الى النصرانية، ثم سار الى رومية فدعا أهلها أيضاً، فأجابته زوجة الملك وسارت إلى البيت المقدس وأخرجت الخشبة التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها، وكانت في أيدي اليهود، فأخذتها وردتها الى النصارى.

 ملك نيرون ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وفي آخر ملكه قتل بطرس وبولس بمدينة رومية وصلبهما منكّسين، وفي أيّامه ظفرت اليهود بيعقوب بن يوسف، وهو أول الاساقفة بالبيت المقدس، فقتلوه وأخذوا خشبة الصليب فدفنوها، وفي أيّامه كان مارينوس الحكيم صاحب كتاب الجغرافيا في صورة الأرض.

(*) الكامل في التاريخ لأبن الأثير. باب الطبقة الأولى من ملوك الروم.

لقد ذكر إثنين من عمالقة التاريخ الإسلامي ما لاقاه حواريّ المسيح وتلاميذه والنصارى أتباع المسيح من تقتيل وتنكيل على أيدي عابدي الأصنام ؛ ويشيرا إلى أن اليهود منذ فجر المسيحية غيبوا خشبة صليب المسيح بعد أنتزاعها من النصارى ؛ ويصفا خط سير بطرس أو شمعون الصفا من فلسطين إلى أنطاكية ثم إلى رومية ؛ وهناك آمنت بالنصرانية زوجة الملك على يدي بطرس أو شمعون الصفا ؛ وهى التي أنتزعت خشبة صليب المسيح من أيادي اليهود وردتها للنصارى ؛ وهنا يشير المسعودي وأبن الأثير عن المرة الأولى التي تم فيها الكشف عن خشبة الصليب التي غيبها اليهود في باطن الأرض. ويستمر المؤرخان في تتبع الأحداث وتنصيب نيرون ملكا وهو الذي قتل بطرس وبولس برومية. ولكن السؤال الذي يلح على رأسي ؛ لماذا سارت زوجة الملك إلى بيت المقدس وأخرجت خشبة الصليب وردتها للنصارى؟ هل صليب الشبيه الذي خان المسيح يحظى بكل هذا الأحترام والتعظيم عند النصارى وعند حواري المسيح أم أنه صليب المسيح؟ لو أنه صليب الشبيه ؛ لماذا لم تظهر أي جماعة من النصارى تقول بذلك رغم أن ذلك حدث في زمن الحواريين الذين عاصروا وعاشوا مع المسيح؟ إن زوجة الملك باستخراجها صليب المسيح هو بمثابة مكافأة كبيرة لرأس الحواريين بطرس ؛ الذي آمنت بالنصرانية على يديه ؛ وهو كذلك تعبير منها أمام جميع النصارى أنها مخلصة وفية لدينها الجديد الذي أقتنعت به ؛ نعم ليس هناك أي إحتمال آخر.

كما أستوقفتني تلك العبارة التي تكررت كثيرا من كل كتاب التاريخ الإسلامي " وأخرجت الخشبة التي تظن أو تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها " وهنا كل كتاب التاريخ يشيرون إلى أن النصارى كل النصارى تقول بصلب المسيح على الصليب ؛ فأين هم النصارى المتفقون مع القرآن بأن الذي صلب هو الشبيه؟ أين النصارى الذين هم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة؟ لو أن كل النصارى أنخدعوا وأنطلت عليهم تمثيلية الشبيه وأقتنعوا خطأ بأن الذي صلب هو المسيح ؛ فلماذا أرسل الله المسيح؟ أين دين النصرانية الصحيح المتفق مع القرآن بأن الذي صلب هو الشبيه؟ لو أن كل النصارى تقول بالصلب للمسيح فليس هناك دين أسمه النصرانية حسب الفكر القرآني ويصبح مجئ المسيح وعدم مجيئه واحد لا فرق بل أن عدم مجيئه كان أفضل للبشرية لأن كل النصارى الذين يقولون بصلب المسيح هم يعبدون وثن كما ستجئ بذلك أحاديث النبي لاحقا. كما يصبح حوار النبي مع النصارى هو حوار مع وهم وخيال.

 

 قال القلقشندي في صبح الأعشى : أن فلوديش قيصر وهو الخامس من القياصرة.... على عهده كتب متى الحواري إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية، ونقله يوحنا بن زبدي إلى الرومية، وكتب بطرس رأس الحواريين إنجيله بالرومية ،وبعث به إلى بعض أكابر الروم، وهلك فلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه.

ملك بعده ابنه نيرون قيصر وهو السادس من القياصرة، وكان غشوماً فاسقاً، فأنكر على من أخذ بدين المسيح فقتلهم، وقتل بطرس وبولس الحواريين، وقتل مرقص الأنجيلي: بطرك الإسكندرية لأثنتي عشرة سنة من ملكه.

في أيامه هدم اليهود كنيسة النصارى بالقدس، ودفنوا خشبتي الصليب بزعمهم في الزبالة.

(*) صبح الأعشى أحمد بن علي القلقشندي.

ثم يؤكد القلقشندي على ما فعله نيرون بحواري المسيح وأتباعه النصارى وقتلهم ؛ ويصف نيرون بالفسق والقسوة ؛ ويبرز ما قام به اليهود بهدم كنيسة القيامة بالقدس ؛ وكيف أنهم دفنوا صليب المسيح المكون من خشبتين الطولية والعرضية في الزبالة أو القمامة كما سيرد في بعض المراجع. وبذلك يؤكد القلقشندي على المرأة الأولى من تغييب خشبة صليب المسيح على يد اليهود. فأين النصارى الذين هم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ويتفقوا مع محمد في نفس الإله وإيمانهم بصلب شبه المسيح؟

 

يقول المقريزي في الخطط : ولما قتل الملك نيرون قيصر بطرس رأس الحواريين برومية أقيم من بعده أريوس بطرك رومية وهو أول بطرك صار على رومية فأقام في البطركية اثنتي عشرة سنة وقام من بعده البطاركة بها واحدًا بعد واحد إلى يومنا هذا الذي نحن فيه‏.‏

ولما قتل يعقوب أسقف القدس على يد اليهود هدموا بعده البيعة وأخذوا خشبة الصليب والخشبتين معها ودفنوها وألقوا على موضعها ترابًا كثيرًا فصار كومًا عظيمًا حتى أخرجتها هيلانة أم قسطنطين كما ستراه قريبًا إن شاء اللّه تعالى‏.‏

(*) الخطط المقريوية للمقريزي باب دخول قبط مصر في دين النصرانية.

 

جاء في التنبيه والإشراف للمسعودي: أن نيرون بن قلوذيوس ملك ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، ولثلاث عشرة سنة خلت من ملكه قتل بطرس، وبولس بمدينة رومية وصلبهما منكسين وذلك بعد إيشوع باثنتين وعشرين سنة وقد أتينا على خبر بطرس بمدينة رومية مع سيمن المصري، الذي تسميه النصارى جميعاً الأريوسية الساحر وكان صحب إيشوع ثم خالفهم فيما سلف من كتبنا وفي السنة الثامنة من ملكه وثبت اليهود بأروشلم، فيما ذكرت النصارى على يعقوب بن يوسف أخي إيشوع الناصري عندهم في الجسمية، وكان أول أساقفة بيت المقدس، وألقوه على رأسه من أعلى الهيكل فمات لامتناعه من الرجوع إلى مذهبهم ومقامه على دين النصرانية ودفن إلى جانب الهيكل وهدموا البيعة وأخذوا خشبة الصليب وخشبتي اللصين فدفنوها في قبر واحد وفي أيام هذا الملك فيما قيل كان مارينوس الحكيم صاحب كتاب جغرافيا في صورة الأرض.

(*) التنبيه والإشراف للمسعودي باب  ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس الأولى.

 

 يذكر أبن خلدون في تاريخه قال: ثم جاء بعد قلوديش قيصر نيرون قيصر فقتل بطرس كبير الحواريين وبولص اللذين بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة وجعل مكان بطرس أرنوس برومة وقتل مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس وكان بالإسكندرية يدعو إلى الدين سبع سنين ويبعثه في نواحي مصر وبرقة والمغرب‏.‏ وقتله نيرون وولى بعده حنينيا وهو أول البطاركة عليها بعد الحواريين وثار اليهود في دولته على أسقف بيت المقدس وهو يعقوب النجار وهدموا البيعة ودفنوا الصليب إلى أن أظهرته هيلانة أم قسطنطين كما نذكره بعد‏.‏

(*) تاريخ أبن خلدون باب ابتداء أمر انظفتر أبو هيردوس

ثم يؤكد المقريزي والمسعودي وأبن خلدون على أن نيرون الطاغية عابد الأوثان قتل النصارى وخاصة حواري المسيح وعلى رأسهم بطرس ؛ كما يؤكدون على هدم اليهود لبيعة النصارى ؛ وأنتزاع خشبة صليب المسيح من يد النصارى ومن حواري المسيح وقاموا بدفنها وتغييبها في باطن الأرض ؛ فأين النصارى الذين هم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة؟  ثم يشيرون إلى الخطوة التالية في رحلة الصليب وهى أستخراج صليب المسيح على يد الملكة هيلانة. كما يشير المسعودي إلى دفن خشبتي اللصين مع خشبة صليب المسيح ؛ وهذا ما سيطلعنا عليه أبن كثير عن صليب المسيح ؛ أن ما مسه ذو مرض إلا ونال الشفاء والعافية. وأيضا لا خلاف بين من قال بدفن صليب المسيح واللصين اللذين صلبا معه وبين من ذكروا صليبا واحدا حيث أنهم ركزوا على صليب المسيح بينما من ذكروا ثلاثة صلبان أخبرونا بالموقف كاملا بصليب المسيح وصليب اللصين الذين صلبا معه.

 

يقول أبن الأثير في الكامل : ملك قسطنطين المعروف بأمّه هيلانى في جميع بلاد الروم، وكان ملكه ثلاثاً وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، وهو الذي تنصّر من مولك الروم وقاتل عليها حتى قبلها النّاس ودانوا بها الى هذا الوقت.

وقد اختلفوا في سبب تنصّره، فقيل: إنّه كان به برص وأرادوا نزعه فأشار عليه بعض وزرائه ممن كان يكتم النصرانيّة بإحداث دين يقاتل عليه ثمّ حسن له النصرانيّة ليساعده من دان به، ففعل ذلك، فتبعه النصارى من الروم مع أصحابه وخاصّته، فقوي بهم وقهر من خالفه، وقيل: إنّه سيّر عساكر على أسماء أصنامهم، فانهزمت العساكر، وكان لهم سبعة أصنام على أسماء الكواكب السبعة، على عادة الصابئين، فقال له وزير له يكتم النصرانيّة في هذا وأزدرى بالأصنام وأشار عليه بالنصرانيّة، فأجابه، فظفر، ودام ملكه؛ وقيل غير ذلك.

ولعشرين سنة مضت من ملكه كان السنودس الأول بمدينة نيقية من بلاد الروم، ومعناه الاجتماع، فيه ألفان وثمانية وأربعون أسقفاً فاختار منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً متّفقين غير مختلفين، فحرموا آريوس الإسكندراني الذي يضاف إليه الآريوسيّة من النصارى، ووضع شرائع النصرانيّة أن لم تكن، وكان رئيس هذا المجمع بطريق الإسكندرية.

وفي السنة السابعة من ملكه سارت أمّه هيلانى الرُّهاوية، الى البيت المقدس وأخرجت الخشبة التي تزعم النصارى أنّ المسيح صلب عليها؛ وجعلت ذلك اليوم عيداً، فهو عيد الصليب، وبنت الكنيسة المعروفة بقمامة، وتسمّى القيامة، وهي الي وقتنا هذا يحجّها أنواع النصارى، وقيل: كان مسيرها بعد ذلك لأن ابنها دان بالنصرانية في قول بعضهم بعد عشرين سنة من ملكه، وفي السنة الحادية والعشرين من ملكه طبق جميع ممالكه بالبيع هو وأمّه، منها: كنيسة حمص، وكنيسة الرّهاء، وهي من العجائب.

(*) الكامل في التاريخ لأبن الأثير. باب الطبقة الثانية من ملوك الروم المتنصّرة, ونقل أبو الفدا في تاريخ أبو الفداء نفس كلام أبن الأثير.

وهنا يطلعنا أبن الأثير على أن في السنة السابعة من ملك أبنها أستخرجت هيلانة أم الملك قسطنطين خشبة صليب المسيح وأتخذت من ذلك اليوم عيدا ؛ فهل يتخذوا عيدا يوم أكتشاف صليب الخائن البديل أو الشبيه الذي صلب بدلا من المسيح؟ ولم يجزم أبن الأثير عن سبب تنصر قسطنطين وكذلك أشارته إلى مجمع القسطنطينية وقال أنه في السنة العشرين وأدعى أبن الأثير أن شرائع النصرانية وضعت في ذلك المجمع رغم أن الصليب محور النصرانية كان قد أكتشف للمرة الثانية في السنة السابعة من ملكه أي قبل هذا المجمع بـ ثلاثة عشر سنة وتحدد يوم أكتشافه عيدا. ولا يزل السؤال الذي أبحث عنه أين هم النصارى الذين مدحهم النبي وقال لا خوف عليهم وإله محمد وإلههم واحد؟ 

 

أما أبن خلدون فيرد على أبن الأثير من أن حواري المسيح هم الذين وضعوا القوانين وهم الذين كتبوا الأناجيل فيقول :

وافترق الحواريون شيعاً " مجموعات للتبشير بالمسيح "  ودخل أكثرهم بلاد الروم داعين إلى دين النصرانية‏.‏ وكان بطرس كبيرهم فنزل برومة دار ملك القياصرة ثم كتبوا الإنجيل الذي أنزل على عيسى صلوات الله عليه في نسخ أربع على اختلاف رواياتهم‏:‏ فكتب متى إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية ونقله يوحنا بن زيدى منهم إلى اللسان اللاطيني وكتب لوقا منهم إنجيله باللطيني إلى بعض أكابر الروم وكتب يوحنا بن زبدى منهم إنجيله برومة وكتب بطرس إنجيله باللطيني ونسبه إلى مرقاص تلميذه‏.‏ واختلفت هذه النسخ الأربع من الأنجيل مع أنها ليست كلها وحياً صرفاً بل مشوبة بكلام عيسى عليه السلام وبكلام الحواريين وكلها مواعظ وقصص والأحكام فيها قليلة جداً‏.‏ واجتمع الحواريون الرسل لذلك العهد برومة ووضعوا قوانين الملة النصرانية وصيروها بيد أقليمنطس تلميذ بطرس وكتبوا فيها عدد الكتب التي يجب قبولها والعمل بها‏.‏... ومن شريعة عيسى صلوات الله عليه المتلقاة من الحواريين نسخ الإنجيل الأربعة وكتب القتاليقون سبع رسائل وثامنها الأبريكسيس في قصص الرسل وكتاب بولس أربع عشرة رسالة وكتاب أقليمنطس وفيه الأحكام وكتاب أبو غالمسيس وفيه رؤيا يوحنا بن زبدى‏.‏

(*) تاريخ أبن خلدون الجزء الأول الفصل الثالث والثلاثون في شرح اسم البابا والبطرك في الملة النصرانية.

لقد رد أبن خلدون على أبن الأثير حول متى ومن الذي وضع أسس النصرانية؟ لكنه صفعني أنا أكثر وقضى على أخر خيوط العنكبوت التي كنت أتعلق بها ؛ فأسس النصرانية وضعت في عصر حواري المسيح ؛ والصفعة الأقوى أن ورقة التوت الأخيرة التي كنت أحاول أن أغطي بها عورات الإسلام سقطت ؛ فكنت أدخر أنجيل برنابا كورقة أخيرة لكن أبن خلدون وكل من تناول أسماء حواري المسيح وأسماء من كتبوا الأناجيل لم يذكروا عن أنجيل برنابا شيئا وأنا التي كنت أقول ربما صلب الشبيه وعدم صلب المسيح وردت في أنجيل برنابا لكن أبن خلدون أسقط من يدي أخر ورقة توت. نعم فقدت الأمل في أن أجد أثرا للنصارى الذين هم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ؛ لكنني سأستمر في بحثي.

 

ويضيف لنا أبن خلدون تفاصيل أكثر فيقول : قال ابن الراهب‏:‏ أن اسكندروس البطرك ولى أول سنة من ملك قسطنطين فمكث اثنتين وعشرين سنة وعلى عهده جاءت هلانة أم قسطنطين لزيارة بيت المقدس وبنت الكنائس وسالت عن موضع الصليب ؛ فاخبرها مقاريوس الأسقف أن اليهود أهالوا عليه التراب والزبل‏.‏ فأحضرت الكهنوتية وسألتهم عن موضع الصليب وسألتهم رفع ما هنالك من الزبل‏.‏ ثم استخرجت ثلاثة من الخشب وسالت أيتها خشبة المسيح فقال لها الأسقف:‏ علامتها أن الميت يحيا بمسيسها فصدقت ذلك بتجربتها " أي أنها وضعت صليب على ميت فقام" واتخذوا ذلك اليوم عيداً لوجود الصليب‏.‏ وبنت على الموضع كنيسة القمامة وأمرت مقاريوس الأسقف ببناء الكنائس وكان ذلك لثلاثمائة وثمان.

(*) تاريخ ابن خلدون الجزء الأول باب الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفحال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعده إلى انقراض أمرهم.

وهنا تسمرت أمام ما حكاه أبن خلدون من أن الميت قام من الموت بعد أن تلامس مع الصليب ؛ فهل هو صليب الخائن شبه المسيح أم هو صليب المسيح؟ أي ضلالة يسمح بها الله لو كان هذا الصليب صليب الخائن الذي أقام ميتا؟ نعم إن الذي يفعل ذلك لابد أن يطلق عليه الإله المضل الذي يضل من يشاء وليس هذه الضلالة أقل من ضلالة أن يلقي بشبه المسيح على رجل أخر لكي يضل به حواري المسيح وشهود العيان والنصارى لفترة ستة قرون ؛ لكن لازلت أحاول تتبع آثار النصارى الذين ينكرون صلب المسيح ويكفرون من يقول به ويؤمنون بصلب شبيه المسيح؟ أتتبع أثر النصارى الذين هم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.

 

أما المقريزي فيسهب في الخير فقال في الخطط :‏ وقسطنطين قيصر وهو أول من ثبت دين النصرانية وأمر بقطع الأوثان وهدم هياكلها وبنيان البيع وآمن من الملوك بالمسيح وكانت أمه هيلانة من مدينة الرها ... وكان في أول أمره على دين المجوس شديدًا على النصارى ماقتًا لدينهم وكان سبب رجوعه عن ذلك إلى دين النصرانية أنه ابتلي بجذام ... فجمع الحذاق من الأطباء فاتفقوا على أدوية دبروها له وأوجبوا أن يستنقع بعد أخذ تلك الأدوية في صهريج مملوء من دماء أطفال رضع ساعة يسيل منهم فتقدم أمره بجمع جملة من أطفال الناس وأمر بذبحهم في صهريج ليستنقع في دمائهم وهي طرية فجمعت الأطفال لذلك وبرز ليمضي فيهم ما تقدم به من ذبحهم فسمع ضجيج النساء اللاتي أخذ أولادهن فرحمهن وأمر بدفع لكل واحدة ابنها وقال‏:‏ احتمال علتي أولى بي وأوجب من هلاك هذه العدة العظيمة من البشر فانصرف النساء بأولادهن وقد سررن سرورًا كثيرًا فلما صار من الليل إلى مضجعه رأى في منامه شيخًا يقول له‏:‏ إنك رحمت الأطفال وأمهاتهم ورأيت احتمال علتك أولى من ذبحهم فقد رحمك الله ووهبك السلامة من علتك فابعث إلى رجل من أهل الإيمان يدعى‏:‏ شلبشقر قد فر خوفًا منك وقف عندما يأمرك به والتزم ما يخصك عليه تتم لك العافية فانتبه مذعورًا بعث في طلب شلبشقر الأسقف فأتي به إليه وهو يظن أنه يريد قتله لما عهده من غلظته على النصارى ومقته لدينهم فعندما رآه تلقاه بالبشر وأعلمه بما رآه في منامه قفص عليه دين النصرانية وكانت له معه أخبار طويلة مذكورة عندهم فبعث قسطنطين في جمع الأساقفة المنفيين والمسيرين والتزام دين النصرانية وشفاه الله من الجذام فأيد الديانة أعلن بالإيمان بدين المسيح وبينا هو في ذلك إذ توقع وثوب أهل رومة عليه وإيقاعهم به فخرج عنها وبنى مدينة قسطنطينية بنيانًا جليلا فعرفت به وسكنها فصارت موضع تخت الملك من عهده وقد كان النصارى من لدن زمان نيرون الملك الذي قتل الحواريين ومن بعده ممن ملك رومة في كل وقت يقتلون ويحبسون ويشردون بالنفي وفلما سكن قسطنطين مدينة قسطنطينية جمع إلى نفسه أهل المسيح وقوى وجوههم وأذل عباد الأوثان فشق ذلك على أهل رومة وخلعوا طاعته وقدموا عليهم ملكًا فأهمه ذلك ومرت له معهم عدة أخبار مذكورة في تاريخ رومة ثم إنه خرج من قسطنطينية يريد رومة وقد استعدوا لحربه فلما قاربهم أذعنوا له والتزموا طاعته فدخلها فأقام إلى أن رجع لحرب الفرس وخرج إليهم فقهرهم ودانت له أكثر ممالك الدنيا فلما كان في عشرين منة من دولته خرجت الفرس على بعض أطرافه فغزاهم وأخرجهم عن بلاده ورأى في منامه كأن بنودًا شبه الصليب قد رفعت وقائلا يقول له‏:‏ إن أردت أن تظفر بمن خالفك فاجعل هذه العلامات على جميع بركك وسكك فلما انتبه أمر بتجهيز أمه هيلانة إلى بيت المقدس في طلب آثار المسيح عليه السلام وبناء الكنائس وإقامة شعائر النصرانية فسارت إلى بيت المقدس وبنت الكنائس فيقال‏:‏ إن الأسقف مقاريوس دلها على الخشبة التي زعموا أن المسيح صلب عليها وقد قص عليها ما عمل به اليهود فحفرت فإذا قبر وثلاث خشبات على شكل الصليب فزعموا أنهم ألقوا الثلاث خشبات على ميت واحدة بعد واحدة فقام حيًا عندما وضعت عليه الخشبة الثالثة منها فاتخذوا ذلك اليوم عيدًا وسموه‏:‏ عيد الصليب وكان في اليوم الرابع عشر من أيلول والسابع عشر من توت وذلك بعد ولادة المسيح بثلثمائة وثمان وعشرين سنة وجعلت هيلانة لخشبات الصليب غلافًا من ذهب وبنت كنيسة القيامة ببيت المقدس على قبر المسيح بزعمهم وكانت لها مع اليهود أخبار كثيرة قد ذكرت عندهم ثم انصرفت بالصليب معها إلى ابنها وما زال قسطنطين على ممالك الروم إلى أن مات بعد أربع وعشرين سنة من ولايته فقام من بعده بممالك الروم ابنه قسطنطين الأصغر وقد كان لعيد الصليب بمصر موسم عظيم

(*) الخطط المقريزية للمقريزي باب الجزء الثاني ذكر قسطنطين.

وهنا يؤكد المقريزي على خبر عودة الميت إلى الحياة عندما ألقوا عليه خشبة صليب المسيح ؛ وكل هذا حدث قبل الإسلام بأكثر من الثلاثة قرون ؛ كما أن المقريزي يلقي لنا بعدا جديدا ؛ فنصارى مصر أيضا لهم عيدا للصليب عظيم قبل الإسلام ؛ فأين هم النصارى الذين قال فيهم النبي ما لم يقله مالك في الخمر؟ نعم نصارى المشرق والمغرب قبل الإسلام بـ ثلاثة قرون تحتفل بعيد الصليب ؛ صليب المسيح ؛ فمن هم النصارى الذين قاوموا هذا الإحتفال؟ لم يسرد لنا المؤرخون غير اليهود وعابدي الأصنام فقط هم من وقفوا موقف العداء من الصليب وأتباع الصليب فهل كان النبي محمد واحدا منهم؟.

 

أما أبن كثير في البداية والنهاية فيضيف لنا بعدا جديدا فيقول : وقد روى الضحاك عن ابن عباس‏:‏ أن عيسى لما رفع إلى السماء، جاءته سحابة فدنت منه حتى جلس عليها، وجاءته مريم فودعته وبكت، ثم رفع وهي تنظر، وألقى إليها عيسى برداً له وقال‏:‏ هذا علامة ما بيني وبينك يوم القيامة، وألقى عمامته على شمعون‏.‏

وجعلت أمه تودعه بإصبعها تشير بها إليه حتى غاب عنها، وكانت تحبه حباً شديداً لانه توفر عليها حبه من جهتي الوالدين، إذ لا أب له، وكانت لا تفارقه سفراً ولا حضراً‏.‏ قال بعض الشعراء‏:‏

وكنت أرى كالموت من بين ساعة      فكيف ببين كان موعده الحشر

وذكر إسحاق بن بشر، عن مجاهد بن جبير‏:‏ أن اليهود لما صلبوا ذلك الرجل الذي شبه لهم، وهم يحسبونه المسيح، وسلم لهم اكثر النصارى بجهلهم ذلك، تسلطوا على أصحابه بالقتل والضرب والحبس، فبلغ أمرهم إلى صاحب الروم وهو ملك دمشق في ذلك الزمان، فقيل له‏:‏

أن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم انه رسول الله، وكان يحيي الموتى، ويبرئ ألاكمه والأبرص، ويفعل العجائب فعدوا عليه فقتلوه، وأهانوا أصحابه وحبسوهم، فبعث فجيء بهم، وفيهم يحيى بن زكريا "!!" ، وشمعون، وجماعة فسألهم عن أمر المسيح فاخبروه عنه، فبايعهم في دينهم، وأعلى كلمتهم، وظهر الحق على اليهود، وعلت كلمة النصارى عليهم‏.‏

وبعث إلى المصلوب فوضع عن جذعه، وجيء بالجذع الذي صلب عليه ذلك الرجل فعظمه، فمن ثم عظمت النصارى الصليب، ومن هاهنا دخل دين النصرانية في الروم، وفي هذا نظر من وجوه‏:‏

أحدها:‏ أن يحيى بن زكريا نبي لا يقر على أن المصلوب عيسى فانه معصوم، يعلم ما وقع على جهة الحق‏.‏ " تأملوا جهل أبن كثير "

الثاني‏:‏ أن الروم لم يدخلوا في دين المسيح إلا بعد ثلاثمائة سنة، وذلك في زمان قسطنطين بن قسطن باني المدينة المنسوبة إليه، على ما سنذكره‏.‏

الثالث‏:‏ أن اليهود لما صلبوا ذلك الرجل ثم القوه بخشبته، جعلوا مكانه مطرحاً للقمامة والنجاسة، وجيف الميتات والقاذورات، فلم يزل كذلك حتى كان في زمان قسطنطين المذكور، فعمدت أمه هيلانة الحرانية الفندقانية فاستخرجته من هنالك معتقدة انه المسيح، ووجدوا الخشبة التي صلب عليها المصلوب، فذكروا انه ما مسها ذو عاهة إلا عوفي. فالله أعلم أكان هذا أملاً ، وهل كان هذا لأن ذلك الرجل الذي بذل نفسه كان رجلاً صالحاً أو كان هذا محنة وفتنة لأمة النصارى في ذلك اليوم ، حتى عظموا تلك الخشبة وغشوها بالذهب والآلىء ، ومن ثم اتخذوا الصلبانات وتبركوا بشكلها وقبلوها ، وأمرت أم الملك هيلانة فأزيلت تلك القمامة وبني مكانها كنيسة هائلة مزخرفة بأنواع الزينة ، فهي هذه المشهورة اليوم ببلد بيت المقدس التي يقال لها القمامة باعتبار ما كان عندها ، ويسمونها القيامة يعنون التي يقوم جسد المسيح منها. ثم أمرت هيلانة بأن توضع قمامة البلد وكناسته وقاذوراته على الصخرة التي هي قبلة اليهود فلم تزل كذلك حتى فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس ، فكنس عنها القمامة بردائه وطهرها من الأخباث والأنجاس ، ولم يضع المسجد وراءها ولكن أمامها حيث صلى رسول الله صلعم ليلة الإسراء بالأنبياء وهو المسجد الأقصى

(*) البداية والنهاية لأبن كثير ذكر رفع عيسى عليه السلام إلى السماء في حفظ الرب وبيان كذب اليهود والنصارى في دعوى الصلب.

وكعادة أبن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة الذي يتحفني دائما بأحاديثه التي لا تخلوا من البهار القرشي لكن ما أثار دهشتي أكثر هو العلامة الحافظ أبن كثير الذي يحاول أن ينكر صلب المسيح فيقول النصارى جميعهم منذ حادثة الصلب وهم يعظمون الصليب ؛ فأين هم النصارى الذين مدحهم محمد؟ ؛ لكن هل وجد أبن كثير عبر التاريخ النصارى الذي يشاركون محمد نفس الإيمان بأن المسيح لم يصلب بل الذي صلب هو شبه المسيح؟ ثم يقول أبن كثير أن هيلانة أم قسطنطين كانت تعتقد أن الصليب هو صليب المسيح لكنه يضيف " فذكروا أنه ما مسها ذو عاهة إلا عوفي " فترى هل صليب الخائن شبه المسيح هو الذي يشفي أصحاب العاهات عندما يمسون صليب الخائن؟ لكن أبن كثير لم ينكر أن هناك صليب دفنه اليهود وجعلوا مكانه مطرحا للقمامة وكأن اليهود هم النصارى الحقيقين الذين ينكرون الصليب ويحقرونه حتى أنهم جعلوه مقلبا للقمامة!!

ويضيف الإمام أبن كثير أن الملكة هيلانة ردت على اليهود ما فعلوه بالصليب بأن جعلت قبلة اليهود وهى الصخرة مقلبا للقمامة ؛ حتى جاء عمر أبن الخطاب وأزاح القمامة عن صخرة اليهود وأتخذها مسجدا للمسلمين " وهى مكان المسجد الأقصى " دلالة على جذور عمر اليهودية حيث أنه كان تلميذا في مدراس اليهود وكان لديه نسخة من كتب اليهود كما تخبرنا بذلك الأحاديث ؛ أو ربما رجع بذاكرته لأيام النبي صلعم الذي كان يصلي إلى تلك الصخرة قبلة اليهود كل فترة بقائه بمكة وبعض سنوات من فترته بالمدينة إلى أن بدأ يدير ظهره لليهود ؛ لكن الداهية الأكبر أن الحرب التي راح ضحيتها مئات الآلاف من خيرة شبابنا من أجل الأقصى هى حرب من أجل صخرة هى قبلة اليهود لا حق لنا فيها!!

ويذكر القلقشندي في صبح الأعشى فيقول : عيد الصليب وهو في السابع عشر من توت من شهور القبط والنصارى يقولون أن قسطنطين بن هيلاني انتقل عن اعتقاد اليونان إلى اعتقاد النصرانية وبنى كنيسة قسطنطينة العظمى وسائر كنائس الشام ويزعمون أن سبب ذلك انه كان مجاوراً للبرجان فضاق بهم ذرعاً من كثرة غاراتهم على بلاده فهم أن يصانعهم ويفرض لهم عليه إتاوة في كل عام ليكفوا عنه فرأى ليلة في المنام أن ملائكة نزلت من السماء ومعها أعلام عليها صلبان فحاربت البرجان فانهزموا فلما اصبح عمل أعلاما وصور فيها صلباناً ثم قاتل بها البرجان فهزمهم فسال من كان في بلده من التجار هل يعرفون فيما طافوه من البلاد ديناً هذا زيه " يعني ملابسهم بها صلبان "  فقالوا له‏:‏ دين النصرانية وانه في بلد القدس والخليل من ارض الشام‏.‏

فأمر أهل مملكته بالرجوع عن دينهم إليه وان يقصوا شعورهم ويحلقوا لحاهم‏.‏

وانما فعل ذلك لانهم يزعمون أن رسل عيسى عليه السلام كانوا قد وردوا على اليونان قبل يأمرونهم بالتعبد بدين النصرانية فأعرضوا عنهم ومثلوا بهم هذه المثلة نكالاً لهم ففعلوا ذلك تأسيا بهم‏.‏

ولما تنصر قسطنطين خرجت أمه هيلانة إلى الشام فبنت به الكنائس وسارت إلى بيت المقدس وطلبت الخشبة التي زعمت النصارى أن المسيح صلب عليها فحملت إليها فغشتها بالذهب واتخذت ذلك اليوم عيداً‏.‏

(*) صبح الأعشى أحمد بن علي القلقشندي الجزء الأول الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات من الأيام والشهور والسنين على اختلاف الأمم فيها‏.‏

 

ذكر المسعودي في مروج الذهب : ملك قسطنطين بعد أن هلك قليطانس برومية، وهو يعبد الأوثان، وكان أول ملك انتقل من ملوك الروم عن رومية إلى بوزنطيا، وهي مدينة القسطنطينية فبناها، وسماها باسمه إلى وقتنا هذا، خروج من رومية، ودخل في دين النصرانية، لسنة خلت من ملكه، ولتسع سنين خلت من ملكه خرجت أمه هلاني إلى أرض الشام، فبنت الكنائس، وسارت إلى بيت المقدس، وطلبت الخشبة التي صلب عليها المسيح عندهم، فلما صارت إليها حًفتها بالذهب والفضة، واتخذت لوجودها عيداً، وهو عيد الصليب، وهو لأربع عشرة تخلو من أيلول، ... وهي التي بنت كنيسة حمص على أربعة أركان، وذلك من عجائب بنيان العالم، واستخرجت الكنوز والدفائن بمصر والشام، وصرفت ذلك إلى بناء الكنائس، وتشييد دين النصرانية، وكل كنيسة بالشام ومصر وبلاد الروم، فإنها بنتها هذه الملكة هلاني أم قسطنطين، وجعل اسمها مع الصليب في كل كنيسة لها.

(*) مروج الذهب للمسعودي باب ذكر ملوك الروم المتنصرة وهم ملوك القسطنطينية ولمع من أخبارهم  باب قسطنطين وبناء القسطنطينية.

وهنا يشير المسعودي إلى أن كل كنائس الشام مهد النصرانية ومصر كانت تعلى الصليب وأسم الملكة هيلاني أم الملك قسطنطين كل ذلك قبل محمد والإسلام بـ ثلاثة قرون ؛ فأين هم نصارى القرآن المتوحدون مع محمد في نفس الإله ولهم نفس موقف القرآن بأن المصلوب هو شبه المسيح وأن الصليب وثن وصنم؟.

 

قال القلقسندي في صبح الأعشى : واعلم أن النصارى بجملتهم مجمعون على أن مريم حملت بالمسيح عليه السلام وولدته ببيت لحم من بلاد القدس من الشام وتكلم بالمهد وإن اليهود حين أنكروا على مريم عليها السلام ذلك فرت بالمسيح عليه السلام إلى مصر ثم عادت به إلى الشام وعمره اثنتا عشرة سنة فنزلت به القرية المسماة ناصرة المقدم ذكرها وأنه في آخر أمره قبض عليه اليهود وسعوا به إلى عامل قيصر ملك الروم على الشام فقتله وصلبه يوم الجمعة وأقام على الخشبة ثلاث ساعات ثم استوهبه رجل من أقارب مريم اسمه يوسف النجار من عامل قيصر ودفنه في قبر كان أعده لنفسه في مكان الكنيسة المعروفة الآن بالقمامة بالقدس وأنه مكث في قبره ليلة السبت ونهار السبت وليلة الأحد ثم قام من صبيحة يوم الأحد ثم رآه بطرس الحواري وأوصى إليه.

واعلم أن النصارى مجمعون على أن الله تعالى واحد بالجوهر ثلاثة بالأقنومية ويفسرون الجوهر بالذات والأقنومية بالصفات‏:‏ كالوجود والعلم والحياة ويعبرون عن الذات مع الحياة بروح القدس ويعبرون عن الإله باللاهوت وعن الإنسان بالناسوت ويطلقون العلم على الكلمة التي ألقيت إلى مريم عليها السلام فحملت منها بالمسيح عليه السلام ويخصونه بالاتحاد دون غيره من الأقانيم‏.‏

واجتمع منهم ثلثمائة وثمانية عشر وقيل وسبعة عشر أسقفاً من أساقفتهم بمدينة نيقية من بلاد الروم بحضرة قسطنطين ملك الروم عند ظهور أريوس الأسقف وقوله‏:‏ إن المسيح مخلوق وإن القديم هو الله تعالى وألفوا عقيدة استخرجوها من أناجيلهم لقبوها بالأمانة من خرج عنها خرج عن دين النصرانية ونصها على ما ذكره الشهرستاني في ‏"‏ النحل والملل ‏"‏ وابن العميد مؤرخ النصارى في تاريخه ما صورته‏:‏ ‏"‏ نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد أيشوع المسيح ابن الله بكر الخلائق كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكل شيء الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بروح القدس وولد من مريم البتول وصلب أيام فيلاطوس ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء‏.‏

(*) صبح الأعشى للقلقشندي باب الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثامنة في نسخ الايمان المتعلقة بالملوك الملة الثالثة.

وهنا يجمل القلقشندي إيمان النصارى كل النصارى ويشير إلى مجمع نيقيقة الذي عقده النصارى للرد على المنحرف آريوس صاحب البدعة وكان ذلك سنة  325 أي قبل الإسلام بثلاثة قرون ولقد أصابني القلقشندي باليأس أن أجد أثرا للنصارى الذين مدحهم القرآن والذين يتوحدون مع محمد في نفس الإله ونفس الإيمان بأن المسيح لم يصلب بل الذي صلب هو شبه المسيح ؛ يأست أن أجد أثرا للنصارى الذين هم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.  وسبب يأسي أنه كرر تلك الجملة مرتين " وأعلم أن النصارى بجملتهم مجمعون" وهو ربما أوضح ما أختلط على أبن الأثير ويصادق على ما رد به عليه أبن خلدون ؛ ففي مجمع نيقية ردوا على المنشق المبتدع آريوس ولم يضعوا أسس النصرانية تلك الأسس التي وضعها تلاميذ المسيح حسب قول أبن خلدون.

ومع دخول الملك قسطنطين دين النصرانية بدأت حقبة جديدة لأمبروطوية الروم حيث أصبح دين الأمبروطورية الرسمي النصرانية وأصبح الصليب لها علما ورمزا وراية يقاتل الروم من أجله وفي المقابل كانت هناك الأمبروطورية الفارسية الساسانية المجوسية وأحتدم الصراع بين الأمبروطوريتين وكان محور الصراع الصليب في كثير من المعارك التي نشبت بينهما فموقف المجوس عبدة النيران موقف العداء من الصليب وكانوا يستولون عليه كرمزا لإخضاع أهل الكتاب من النصارى ويغيبونه وعندما كانت تقوى أمبروطورية الروم تشن الحروب لأسترداد صليب الصلبوت من يد الفرس المجوس عبدة النيران وكان موقف العرب منقسم بين الأمبروطوريتين فالقبائل النصرانية المتحالفة مع الروم كانت تسعد وتفرح لأنتصار الروم وأسترداد صليب الصلبوت أو الصليب الأعظم أما من كان من العرب مرتبط بالفرس فكانوا يسعدوا بإستيلاء الفرس المجوس على الصليب فكان موقف العرب يتوقف أحيانا على المعتقد الديني وأحيانا على المصالح وخاصة المصالح المادية والتجارية وأستمر الحال هكذا حتى ظهر الإسلام الذي أظهرموقفين متناقضين من الصليب ففرح تارة بنصر الروم وعودة صليب الصلبوت ثم أستدار ونسخ موقفه وأظهر نفس القدر من عداء الفرس المجوس للأمبروطورية الرومانية النصرانية وللصليب وربما أكثر ؛ كما سيرد لاحقا ؛ ولا يثتثنى من تلك الحالة إلا فترة قصيرة وهى الفترة التي أسميتها فترة النفاق المحمدى ؛ إلى أن هاجم العرب والمسلمين أمبروطورية الروم وهدموها وحلوا محلها في إحتلال البلاد التي كانت تحتلها تلك الأمبراطورية ؛ ويشير أبن سعد إلى بداية الأنقلاب الرسمي على النصرانية في عصر محمد وهى لا تبعد كثيرا على تأييد محمد لتلك النصرانية وفرحه لإنتصارها على الفرس وإستردادها لـ صليب الصلبوت.

 

ذكر أبن سعد في طبقاته الكبرى : أن رسول الله صلعم بعث دحية بن خليفة الكلبي وهو أحد الستة إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابا وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر فدفعه عظيم بصرى إليه وهو يومئذ بحمص وقيصر يومئذ ماش في نذر كان عليه ان ظهرت الروم على فارس أن يمشي حافيا من قسطنطينية إلى إيلياء فقرأ الكتاب وأذن لعظماء الروم في دسكرة له بحمص فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت لكم ملككم وتتبعون ما قال عيسى بن مريم قالت الروم وما ذاك أيها الملك قال تتبعون هذا النبي العربي قال فحاصوا حيصة حمر الوحش وتناحزوا ورفعوا الصليب فلما رأى هرقل ذلك منهم يئس من إسلامهم وخافهم على نفسه وملكه فسكنهم ثم قال إنما قلت لكم ما قلت أختبركم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم.

(*) الطبقات الكبرى ذكر بعثة رسول الله الرسل بكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وما كتب به رسول الله صلعم لناس من العرب وغيرهم.

تلك الرسائل كانت في السنة السادسة للهجرة ؛ وأعقبها أول هجوم للنبي على الروم ؛ وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة ؛ وهى غزوة مؤتة ؛ ثم تلاها بغزوة تبوك في السنة التاسعة أما فترة النفاق المحمدي التي بلغت ذروتها عند السنة الثانية للهجرة التي فرح بها محمد وكل المسلمين بنصر الروم وإسترداد صليب الصلبوت. ثم بدأت السنة الثانية عشر للهجرة وبدأت معها غزوات خالد أبن الوليد لنصارى العرب والشام والروم وفرض الجزية على أهل الكتاب من النصارى أو ضرب اعناقهم لو أمتنعوا عن الإسلام أو الجزية.

وهنا سأورد بعضا من المقاطع من فتوح الشام للواقدي للدلالة على تمسك الروم ونصارى العرب بصليب المسيح من ناحية ومن الناحية الأخرى عداء المسلمين للصليب بنفس القدر الذي أظهرته أمبروطورية الفرس المجوسية للصليب.

قال الواقدي قال شرحبيل بن حسنة‏:‏ رأيت يوم حصار دمشق رجلا على باب توما يحمل الصليب وهو أمام توما وهو يشير إليه اللهم انصر هذا الصليب ومن لاذ به اللهم أظهر له نصرته وأعل درجته قال شرحبيل بن حسنة‏:‏ وأنا دائمًا أنظر إليه إذ رمته زوجة أبان بنبلة فلم تخطئ رميتها وإذا بالصليب قد سقط من يده وهوى إلينا وكأني أنظر لمعان الجوهر من جوانبه فما فينا إلا من بادر إليه ليأخذه ... ونظر عدو الله توما إلى ذلك من تنكس الصليب الأعظم وإهوائه إلى المسلمين فعند ذلك كفر وعظم عليه الأمر وقال‏:‏ يبلغ الملك أن الصليب الأعظم أخذ مني وملكته العرب لا كان ذلك أبدًا ... هذا والمسلمون محيطون بالصليب فلما خرج الروم ووقع صياحهم حذر الناس بعضهم بعضًا فلما نظر المسلمون إلى الروم سلموا الصليب إلى شرحبيل بن حسنة وانفردوا لأعدائهم ... قال فحمل الناس حملة منكرة واختلط الناس بعضهم ببعض وعملت بينهم السيوف وتراموا بالنبل وتسامع أهل دمشق أن توما خرج إلى العرب من بابه وأن صليبه الأعظم سقط إليهم من كف حامله فجعلوا يهرعون إلى أن تزايد أمرهم وجعل عدو الله ينظر يمينًا وشمالا وينظر الصليب فحانت منه التفاتة فنظر فرآه مع شرحبيل بن حسنة فلما نظر إليه لم يكن له صبر دون أن حمل وصاح‏:‏ هات الصليب لا أثم لك فقد لحقتك بوائقه‏.‏

قال‏:‏ ونظر شرحبيل بن حسنة إلى عدو الله وهو مقبل فرمى الصليب من يده وصادمه‏.‏... قال فتراجع الناس إلى مواضعهم وقد قتلوا من الروم مقتلة عظيمة وأخذوا أسلابهم وأموالهم وصليبهم ... فغضب توما من قولهم وقال‏:‏ يا ويلكم يؤخذ الصليب الأعظم وأصاب بعيني وأغفل عن هذا ويبلغ الملك عني ذلك فينسبني للوهن والعجز ولا بد من طلبهم على كل حال وآخذ صليبي ... فلما سمع خالد ذلك الخبر حمد الله وقال‏:‏ كيف أخذتم الصليب من الروم‏.‏ ... ووصل الخبر إلى أبي عبيدة بما نزل بشرحبيل بن حسنة من توما وبما غنم من صليبه فسر بذلك ...

(*) فتوح الشام للواقدي باب معركة أجنادين.

لقد فرح أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن والوليد وكل المسلمون بأنتزاع الصليب من يد الروم وهو نفس فرح الفرس المجوس وكذلك قاتل النصارى وبزلوا أرواحهم من أجل الصليب ؛ فترى هل هو صليب الخائن أو شبيه المسيح؟ أين هم النصارى الذين قال عنهم محمد أن لا خوف عليهم وأنهم يتوحدون مع محمد في نفس الإيمان ونفس الإله؟

 ثم توالت الجيوش على الروم والوقائع التي لا مجال لذكرها لكن كانت أخر الأخبار التي وردت عن الصراع على صليب الصلبوت بين المسلمين والنصارى ما ذكرته كتب التاريخ كما يلي:

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : " في عصر المعتمد على الله أبو العباس من أحفاد الرشيد من 256هـ ـ 279هـ " قال وفي سنة 266 أقبلت الروم إلى ديار ربيعة وقتلوا وسبوا وهرب أهل الجزيرة ..... نازلت الروم في مائة ألف طرسوس فبيتهم يازمان الخادم فقيل: قتل منهم سبعون ألفاً وقتل ملكهم وأخذ منهم صليب الصلبوت.

(*) سير أعلام النبلاء للذهبي. الكامل في التاريخ لأبن الأثير باب ذكر الظفر بالروم. تاريخ الطبري باب ذكر خبر استئمان درمويه الزنجي إلى أبي أحمد.

وهنا يطلعنا الذهبي على إحدى الوقائع التي دارت بين مملكة الروم وبين الخلافة الإسلامية في عصر المعتمد فأغارت الروم من الشمال في محاولة لإسترداد ملكها الضائع على دولة الخلافة ؛ وأنهزم الروم وفقدوا صليب الصلبوت وتوالت الحروب بين المملكتين الإسلامية ومملكة الروم وكان صليب الصلبوت من أهم محاورها ؛ ثم توالت الحروب والتي تارة يسترد الروم خشبة الصليب وتارة يفقدونها مثل ما حدث بين الروم ومملكة فارس عابدي النار إلى أن جاءت معركة حطين في عهد صلاح الدين.

 

قال المقريزي في السلوك لمعرفة دول الملوك : خرج العادل من القاهرة في سابع المحرم وعادا إلى الكرك فنازلاها في ربيع الأول وضايق السلطان " صلاح الدين " أهلها ثم رحل عنها ونازل طبرية فاجتمع من الفرنج نحو الخمسين ألفا بأرض عكا ورفعوا صليب الصلبوت فافتتح السلطان طبرية عنوة في ثالث عشري ربيع الآخر وغاظ ذلك الفرنج وتجمعوا فسار إليهم السلطان وكانت وقعة حطين التي نصر الله فيها دينه في يوم السبت رابع عشريه‏.‏

وانهزم الفرنج بعد عدة وقائع وأخذ المسلمون صليب الصلبوت وأسروا الإبرنس أرناط صاحب الكرك والشوبك وعدة ملوك آخرين وقتل وأسر من سائر الفرنج ما لا يعد كثرة‏.‏

(*) السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي باب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. بلوغ الآرب في فنون الأدب للإمام النويري باب استيلاء الفرنج على عكا.

 

قال الصفدي بأكثر تفصيل عن وقعة حطين : كانت وقعة حطين سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة .... صعد الفرنج إلى تل حطين وأضرم المسلمون حولهم النار فهلكوا وتساقطوا من التل .. وعملت سيوف المسلمين في الفرنج قتلاً وأسر من الملوك كي وأخوه جفري وأبرنس الكرك والهنفري وصاحب جبيل وبيروت وصيدا ومقدم الداوية والأسبتار وغيرهم، وجيء إلى السلطان " صلاح الدين" بصليب الصلبوت وهو مرصع بالجواهر واليواقيت في غلاف من ذهب. ولما سيق الملوك أسرى إلى بين يدي السلطان نزل وسجد وباس الأرض شكراً، وجاء إلى خيمة واستدعاهم فأجلس الملوك عن يمينه وأبرنس الكرك إلى جانبه، ونظر السلطان إلى الملك وهو يلتفت يتلهب عطشاً فأمر له بقدح من ثلج وماء فشربه وسقى الأبرنس فقال له السلطان: ما أذنت لك في سقيه، وكان قد نذر أن يقتله بيده فقال له: يا ملعون يا غدار حلفت وغدرت ونكثت، وجعل يعدد عليه غدراته ثم قام إليه فضربه بالسيف فحل كتفه وتممه المماليك فقطعوا رأسه وأطعموا جثته للكلاب،.. ثم إن السلطان " صلاح الدين " عرض الإسلام على الداوية والاسبتار فمن أسلم منهم استبقاه ومن لم يسلم قتله فقتل خلقاً عظيماً وبعث بباقي الملوك والأسارى إلى دمشق وذلك سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة.

(*) الوافي بالوفيات لـ الصفدي.  زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم.        

ناهيك عن الدرس العظيم الذي قدمه البطل صلاح الدين في كيفية معاملة الأسرى بإطعام جثثهم للكلاب أو يدخلوا دين الإسلام أو تقطع أعناقهم وتضرب رقابهم إلا أن الصفدي يؤكد على ما ذكره المقريزي من أن صليب الصلبوت كان بيد النصارى لمدة 12 قرن بعد المسيح.

ويؤكد أبن الأثير في الكامل في التاريخ على ما ذكره الصفدي والمقريزي : أنهزم الفرنج في موقعة حطين وأخذ المسلمون منهم  صليبهم الأعظم الذي يسمونه صليب الصلبوت ويذكرون أن فيه قطعة من الخشبة التي صلب عليها المسيح عليه السلام بزعمهم فكان أخذه عندهم من أعظم المصائب عليهم وأيقنوا بعده بالقتل والهلاك‏.‏

(*) الكامل في التاريخ لـ أبن الأثير باب ذكر انهزام الفرنج بحطين.

أما كلام أبن الأثير فهو يؤكد منزلة صليب الصلبوت عند النصارى  منذ زمن الحواريين  بأن فقدان الصليب من أيديهم يعد من أعظم المصائب وإسترداده هو بالنسبة لهم نصر الله وهذا يفسر لنا تلك الحروب الطاحنة التي وقعت بين مملكة الفرس ومملكة الروم على صليب الصلبوت.   

 

قال أبن كثير في البداية والنهاية : لما استقر الملك الأفضل بن صلاح الدين مكان أبيه بدمشق، بعث بهدايا سنية إلى باب الخليفة الناصر " الخليفة العباسي" ، من ذلك سلاح أبيه " صلاح الدين " وحصانه الذي كان يحضر عليه الغزوات. ومنها صليب الصلبوت الذي استلبه أبوه من الفرنج يوم حطين، وفيه من الذهب ما ينيف على عشرين رطلاً مرصعاً بالجواهر النفيسة، وأربع جواري من بنات ملوك الفرنج.

(*) البداية والنهاية لأبن كثير سنة تسعين وخمسمائة. السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي باب سنة خمس وثمانين وخمسمائة.

ثم أصبح صليب الصلبوت في يد المسلمين من بين الهدايا والجواري اللاتي يتبادلها خلفاء المسلمين ثم بعد تلك الوقعة بدأ التضارب عن مسيرة الصليب بين ضياعه وتلفه بعد هذه الوقعة وبين أن الروم أستردوه بالتفاوض وأستقر في أحد الكنائس بالقسطنطينية قبل أن يحتلها الأتراك وبين من يقول أنه أستقر في أحدى الكنائس بفرنسا والبعض قال أنها تقطعت إلى قطع ووزعت على كنائس عديدة ومنها إحدى الكنائس بدمياط بمصر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       عرب الجاهلية والصليب  

كان لجغرافية جزيرة العرب دور كبير في دخول النصرانية إليها في عصر مبكر يصل إلى عصر حواري المسيج كنتيجة لجوارها الجغرافي لمهد النصرانية كما كان لحدودها مع الشام شمالا والحبشة جنوبا دورا كبيرا في أنتشار النصرانية وتغلغلها في شمال الجزيرة وفي اليمن فشمال الجزيرة في تماس مع نصرانية الشام وفلسطين وجنوبها في تماس مع نصرانية الحبشة بالإضافة إلى طبيعة الصحراء التي أعطتها بعدا أخر في دخول النصرانية إلى جزيرة العرب ؛ وكذلك طبيعة الصحراء ورحلات الإيلاف التجارية في الصيف والشتاء التي كان يقوم بها عرب الجاهلية إلى الشام واليمن جعلت لهم فرصة سانحة للأختلاط بالنصرانية في شمال الجزيرة وجنوبها وكان من نتيجتها أن أنجبت جزيرة العرب ملوك من النصارى وأساقفة من النصارى ورهبان من النصارى وكان للنبي حوار مع النصارى وأساقفتها وملوكها وكلهم من نصارى العرب ؛ فهل كانوا على موقف واحد مع محمد والقرآن من صلب المسيح بتكفير كل من يقول به ويؤمنون بصلب الشبيه أو الخائن أم أنهم كانوا على الموقف الآخر بأن المصلوب هو المسيح وأن الصليب هو فخرهم فيصبح قول محمد ما هو إلا قولا شاذا لا يستند إلى أي دليل من التاريخ وأن مواقف محمد المتناقضة تجاه النصارى ليس إلا مواقف سياسية لا دينيه؟

نعم رحت أبحث عن نصارى العرب في الجاهلية وأردت أن أعرف ما هو موقفهم من الصليب إنه بحث صعب وإزدادت صعوبته وإزدت إصرارا بعد ما قرأت ما قاله أبن هشام :

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما توفي رسول الله صلعم عظمت به مصيبة المسلمين ، فكانت عائشة - فيما بلغني - تقول ‏:‏ لما توفي رسول الله صلعم ، ارتد العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، ونجم النفاق ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، لفقد نبيهم صلعم، حتى جمعهم الله على أبي بكر.‏

(*) السيرة النبوية لـ أبن هشام باب افتتان المسلمين بعد موته.

في حديث عائشة دلالات مهمة وهى إرتداد العرب بعد أن إنكفاء سيف محمد وفرح اليهود والنصارى وتشتت المسلمون لكن سيف أبو بكر الذي أعمله في رقاب المرتدين أخضعهم للإسلام بالقهر ؛ نعم المنتصر يكتب التاريخ فتسلحت بالصبر وتشبثت بالهدف وقرأت ما بين السطور فوجدت من العرب قبائل ملكت وسادت وكانت على النصرانية قبل محمد بسنوات وسنوات منها الضجاعمة كانوا نصارى وكانوا يتولون حكم عرب الشام قبل الغساسنة وهم نصارى أيضا بالإضافة إلى المناذرة الذين حكموا في العراق وهم نصارى أيضا. أما من ناحية القبائل المتنصرة من العرب فلا عد لها ولا حصر ومنها غسان وتغلب وتنوخ ولخم وجذام وسليح وعاملة وطئ وبهراء وإياد وحمير وكلب وشيبان وكندة وتميم وعبدِ القيس وقضاعةَ والعِباد وزابلة وكثيرٍ من بَلحارث بن كعب و...

ولمعرفة مكانة بعض القبائل وحجمها فنذكر أن كندة وهى من القبائل العربية قال الطبري عنها في تاريخ الامم والملوك :

قدم على رسول الله صلعم الأشعث ابن قيس في ستين راكباً من كندة ، فدخلوا على رسول الله مسجده ، و قد رجلوا جممهم و تكحلوا " كما كان الرسول يتكحل " عليهم جبب الحبرة ، قد كففوها بالحرير ، فلما دخلوا على رسول الله صلعم ، قال : ألم تسلموا ؟ قالوا : بلى ، قال : فما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟ قال : فشقوه منها فألقوه ، ثم قال الأشعث : يا رسول الله ، نحن بنو آكل المرار ، و أنت ابن آكل المرار ، فتبسم رسول الله ، ثم قال : ناسبوا بهذا النسب العباس ابن عبد المطلب وربيعة بن الحارث. قال : وكان ربيعة والعباس تاجرين ، فكانا إذا ساحا في أرض العرب فسئلا من هما ؟ قالا : نحن بنو آكل المرار ، يتعززان بذلك ، وذلك أن كندة كانت ملوكاً ، فقال رسول الله صلعم: نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا و لا ننتفي من أبينا. فقال الأشعث بن قيس : هل عرفتم يا معشر كندة ! والله لا أسمع رجلاً قالها بعد اليوم إلا ضربته حده ثمانين .

(*) تاريخ الطبري السنة العاشرة باب قدوم الأشعب بن قيس في و فد كندة.

كندة القبيلة النصرانية والتي تشير الكثير من التلميحات أن النبي أبن واحد من رجالاتها ؛ كان لتلك القبيلة الكثير من الملوك عبر التاريخ والذين تملكوا على الحيرة وقسم منها سكن حضرموت. وينسب الطبري ذو القرنين إليها فيقول ملك المنذر بن امرئ القيس البدء ـ و هو ذو القرنين ، قال : وإنما سمي لضفيرتين كانتا له من شعره ، و أمه ماء السماء ، و هي مارية ابنة عوف ابن جشم بن هلال بن ريعة بن زيد مناة بن عامر الضيحان ابن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمرين قاسط.

أما أبن سعد فيضيف أن لهم أسقفا كان أسمه محمد قال:

أخبرنا علي بن محمد عن مسلمة بن علقمة عن قتادة بن السكن العرني قال كان في بني تميم محمد بن سفيان بن مجاشع وكان أسقفا قيل لأبيه إنه يكون للعرب نبي اسمه محمد فسماه محمدا.

(*) الطبقات الكبرى لـ أبن سعد باب ذكر من تسمى في الجاهلية بمحمد رجاء أن تدركه النبوة للذي كان من خبرها.

وهذا يضفي لنا أبن سعد بعدا جديدا على أسم محمد الذي لم يكن يطلق على أحد من قريش لكنه كان شائعا في قبيلة كندة التي تشير كثيرا من المراجع أن محمدا أحد أبناء رجالاتها ؛ لكن وجود أسقف يدل على وجود العديد من البيع.

نعم والكثير من القبائل العربية المتنصرة كانت ذو قوة وبأس وسأستعرض ذلك في مواضعه لكنني اشير فقط لما ذكره أبن خلدون في كتابه تاريخ أبن خلدون الجزء الأول باب غزوة الغابة وذي قرد. قال:

 بعث رسول الله صلعم خالداً مع بعث الشام وأمرَ على الجيش مولاه زيد بن حارثَةَ وكانوا نحواً من ثلاثة آلاف‏.‏ وقال إن أصابه قَدرٌ فالأمير جعفر بن أبي طالب فإن أصابه قدر فالأمير عبد الله بن رَواحَة فإن أصيب فليرتض المسلمون برجل من بينهم يجعلوه أميراً عليهم‏.‏ وشَيَّعَهُم صلعم وودعهم ونهضوا حتى انتهوا إلى مَعَانٍ من أرض الشام فأتاهم الخبر بأن هِرَقْل ملك الروم قد نزل مؤاب من أرض البَلْقَاء في مائة ألف من الروم ومائة ألف من نصارى العرب البادين هنالك من لَحْمٍ وَجُذَامٍ وقبائل قُضَاعَةَ من بَهْرا وبَلِيّ والقَيْس وعليهم مالك بن زَاحِلَةَ من بني اراشَةَ ... فلقوا جموع هرقل عند قرب مؤتة ورتبوا المَيْمَنَةَ والميسرة واقتتلوا فقتل زيد بن حارثة ملاقياً بصدره الرماح والراية في يده‏.‏ فأخذها جعفر بن أبي طالب وعقر فرسه ثم قاتل حتى قطعت يمينه فأخذها بيسار فقطعت فقتل كذلك وكان ابن ثلاث وثلاثين سنة‏.‏ فأخذها عبد الله بن رواحة وتردد عن النزول بعض الشيء ثم صمم إلى العدو فقاتل حتى قتل‏.‏

وفي تلك إشارة لضخامة عدد نصارى العرب فشاركوا بـ 100000 مقاتل من بعض قبائلهم في أول حرب شنها محمد على النصارى خارج جزيرة العرب.

وكان منهم قواد عظام "هانىء بن قبيصة الشيباني من سادات "بني شيبان" كان على النصرانية، وهو قائد العرب في موقعة ذي قار وهى من أعظم أيام العرب في الجاهلية وفيها دمروا جيش كسرى ؛ دفع هذا القائد الجزية للمسلمين هو وقبيلته ومات على النصرانية.

وكان للصليب منزلة رفيعة عند نصارى العرب في الجاهلية لإيمانهم بصلب المسيح وصاروا يعلقونه على أعناقهم تبركا وتيمنا به، وينصبونه فوق منائر كنائسهم وقبابها، وقد أقسموا به. واتخذوه لهم شعاراً حتى كان بعضهم يرسمه على جبهته، وكانوا يلثمونه ويتمسحون به تبركا، ويعلقونه ذهبا على صدورهم.

ولقد أطلقوا أسم الصليب على معاركهم فكما قال أحمد بن علي القلقشندي في نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب الفصل الثالث في ذكر حروب وأيام العرب في الجاهلية. " يوم الصليب" كان بين بكر بن وائل وبين عمرو بن تميم‏.‏ وذكر "البلاذري" أن "بكر بن وائل" أغارت على "بني عمرو بن تميم" يوم "الصليب"، ومعها ناس من الاساورة، فهزمتهم بنو عمرو وقتلت "طريفا" رأس الأساورة.

وكان لهم مزارات من أهمها مزار القديس "سرجيوس" في "الرصافة"، وكان يقصدها النصارى من عرب الشام، مثل الغساسنه وتغلب. وكان ملوك ألغساسنة يقدمون الهدايا والنذور اليه وقد عدّ التغلبيون هذا القديس شفيعهم، جعلوا له راية حملوها معهم في الحروب، وكانوا يحملونها مع الصليب تبركاً وتيمناً بالنصر.

أما قوم شعيب المذكور في القرآن "الأعراف: 85" فهناك من يذكر أنهم أيضا كانوا على النصرانية ولهم رهبان فيقول الشاعر كثير بن عبد الرحمن الشهير بـ كثير عزة

رُهبانُ مدين والذين عَهدتُهـم يبكون من حذر العِقاب قُعوداً

لو يسمعون كما سمعت حديثها خَروا لعَزة رُكعاً وسجـودا

وقال كثير أيضاً:

يا أم خَرزَةَ ما رأينا مثـلـكـمِ في المنجدين ولا بغور الغـاير

رُهبان مدينَ لو رأوك تنـزلـوا والعُصمُ في شعَف الجبال الفادر

(*) معجم البلدان لـ ياقوت الحموي باب مدين.

نعم لقد كانت النصرانية متجذرة ومنتشرة في جزيرة العرب طوى وعرضا وحتى في المدينة كان أبو عامر الرَّاهب وجماعته وكان من أشراف الخزرج وهو صاحب مسجد ضرار الذي هدمه محمد والذي يقول عنه أبن كثير في تفسيره أنه قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب ؛ بل وكانت النصرانية في بيت محمد فكان عبيد الله بن جحش أبن عمة محمد نصرانيا ثم أسلم ثم أرتد إلى نصرانيته وكانت خديجة نصرانية وعمها ورقة قس مكة نصرانيا ورفيقه عثمان بن الحويرث نصرانيا .

«نصرانية نجد والحجاز»

دخلت النصرانية إلى عرب شمال الجزيرة العربية، لاتصالهم بالعرب نصارى الشام والعراق. وأشهر القبائل المتنصرة في نجد هي كندة وبكر وائل وتغلب وطيء. فدخول النصرانية إلى الحجاز كان في أيام حواري المسيح. أما عرب نجد قبل الإسلام فكانوا من تغلب وتنوخ وكندة وطي وكلها قبائل كانت تدين بالنصرانية.

 يورد أبن هشام دخول النصرانية في عهد حواري المسيح فيقول قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من بعث عيسى بن مريم عليه السلام من الحواريين والأتباع ‏:‏ بطرس الحواري ، ومعه بولس ، وكان بولس من الأتباع ، ولم يكن من الحواريين ، إلى رومية ، وأندرائس ومتى إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس ، وتوماس ، إلى أرض بايل من أرض المشرق ، وفيلبس إلى أرض قرطاجنة ، وهي أفريقية ؛ ويحنس إلى أفسوس ، قرية الفتية أصحاب الكهف ؛ ويعقوبس إلى أوراشلم ، وهي إيلياء قرية بيت المقدس ، وابن ثلماء " ثلمالي ؟ " إلى الأعرابية ، وهي أرض الحجاز ؛ وسيمن إلى أرض البربر ، ويهوذا ، ولم يكن من الحواريين ، جعل مكان يودس ‏.‏

(*) السيرة النبوية لـ أبن هشام باب أسماء رسل عيسى عليه السلام.

برغم من مخالفة أبن هشام للإناجيل في بعض الأسماء والأماكن إلا أنني لم أكترث بذلك لأن هذه صفة غالبة لا على مؤرخي الإسلام ومفسري القرآن بل على إله القرآن نفسه فيوحنا صار في القرآن يحي ويونان يونس ويسوع عيسى وهلما جرا ؛ إلا أن ما ذكره أبن هشام له دلالة أن النصرانية بدأت في جزيرة العرب مبكرا في عصر الحواريين كما نصرانية الشام والعراق ومصر وتركيا وروما والهند وهذا يوافق الإنجيل الذي ذكر أن بولس قضى ثلاث سنوات في جزيرة العرب. ويقع في الحجاز وادي القرى الذي يتميز بكثرة القرى فيه لكثرة الماء فيه وخصوبة تربته وكان كثير من اليهود يقطنون بهذا الوادي ونزلته قضاعة وهي من أقدم القبائل النصرانية وكذلك بني سليح وفيه تقع دومة الجندل التي دفعت الجزية وكان لها أسقف وكان حاكمها الأكيدر يتوشح الصليب على صدره وقال الأصفهاني في الأغاني :

ونحن منعنا ذا القرى من عدونـا  وعذرة إذ نلقى يهوداً وبعثـرا

منعناه من عليا مـعـد وأنـتـم  سفاسيف روح بين قرح وخيبرا

فريقان رهبان بأسفل ذي القـرى  وبالشام عرافون فيمن تنصـرا

(*) الاغاني للإمام أبو الفرج الأصفهاني باب نسب جميل وأخباره

ومن هنا كان وادي الحجاز عامرا بالرهبان والنصارى وكان حاكمهم وملكهم يضع الصليب على صدره كما سيرد لاحقا. أين هم النصارى الذين توحدوا مع محمد في نفس الإله ونفس المعتقد في صلب المسيح بأنه كفر وضلال؟.

«نصرانية مكة والمدينة»

 مكة والمدينة تقع بأمتداد الحجاز جنوبا فيذكر الطبري قصة تؤكد أن النصرانية دخلت المدينة كما الحجاز قي عصر حواري المسيح فيقول :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمر ابن عبد الله بن عروة بن الزبير ، عن ابن سليم الأنصاري ، ثم الزرقي ، قال : كان على امرأة منا نذر ، لتظهرن على رأس الجماء ـ جبل بالعقيق من ناحية المدينة ـ قال : فظهرت معها ، حتى إذا استوينا على رأس الجبل ، إذا قبر عظيم ، عليه حجران عظيمان ، حجر عند رأسه ، وحجر عند رجليه ، فيهما كتاب بالمسند ، لا أدري ما هو ! فاحتملت الحجرين معي ، حتى إذا كنت ببعض ألجبل منهبطاً ثقلاً علي ، فألقيت أحدهما و هبطت بالآخر ، فعرضته على أهل السريانية : هل يعرفون كتابه ؟ فلم يعرفوه ، وعرضته على من يكتب بالزبور من أهل اليمن ، ومن يكتب بالمسند فلم يعرفوه. قال : فلما لم أجد أحداً ممن يعرفه ألقتيه تحت تابوت لنا ، فمكث سنين ، ثم دخل علينا ناس من أهل ماه من الفرس يبتغون الخرز ، فقلت لهم : هل لكم من كتاب ؟ فقالوا : نعم ، فأخرجت إليهم الحجر ، فإذا هم يقرءونه ، فإذا هو بكتابهم : هذا قبر رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام إلى أهل هذه البلاد ، فإذا هم كانوا أهلها في ذلك الزمان ، مات عندهم فدفنوه على رأس الجبل . 

 (*) تاريخ الطبري باب  القسم الثاني من ذكر الأحداث التي كانت في أيام ملوك الطوائف.

 

في القصة دلالة مهمة على أن النصرانية دخلت المدينة كما الحجاز على يد حواري المسيح وتلاميذه أما الشهرستاني فيقول في الملل والنحل تحت عنوان أهل الكتاب والأميون:

الفرقتان المتقابلتان قبل المبعث هم‏:‏ أهل الكتاب والأميون والأمي‏:‏ من لا يعرف الكتابة‏.‏ وكانت اليهود والنصارى بالمدينة والأميون بمكة‏.‏ ويضيف الشهرستاني بقوله : وقبلة الفرقة الأولى‏:‏ بيت المقدس وقبلة الفرقة الثانية‏:‏ بيت الله الحرام الذي وضع للناس بمكة مباركاً وهدى للعالمين‏.‏

ومن هنا يبرز الشهرستاني الوجود النصراني بالمدينة وهى لا تبعد كثيرا عن مكة جغرافيا أما إجتماعيا فكانت المدينة هى قبلة العلم بالنسبة للأميين في مكة حيث أن المدينة كانت لأهل الكتاب أهل العلم. ومن هنا كان لزاما عليّ أن أتتبع هؤلاء النصارى الذين مدحهم النبي وتوحد معهم في نفس الإله ونفس المعتقد بالنسبة لصلب شبيه المسيح لكن ما أثار دهشتي أن قبلة الفرقة الأولى " اليهود والنصارى" هى بيت المقدس وهي نفس القبلة التي كان يستقبلها النبي بمكة وحتى بعد فرض الصلاة تضاربت أقوالهم فيها 14 – 18 شهرا ثم أرتد عنها إلى قبلة الأميين عابدي الأوثان إي إلى بيت الله الحرام بمكة.

ثم يطلعنا الإمام برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية أن مكة لم تخلو من النصرانية فقال : فلما توفى ورقة قال رسول الله صلعم لقد رأيت القس يعني ورقة في الجنة وعليه ثياب حرير أي والقس بكسر القاف رئيس النصارى وبفتحها تتبع الشي هذا وفي القاموس القس مثلث القاف تتبع الشيء وطلبه كالتقسس وبالفتح صاحب الإبل الذي لا يفارقها ورئيس النصارى في العلم وفي رواية أبصرته في بطنان الجنة وعليه السندس وفي رواية قد رأيته فرأيت عليه ثيابا بيضا وأحسبه أي أظنه لو كان من أهل النار لم تكن عليه ثياب بيض.

(*) السيرة الحلبية باب بدء الوحي له صلعم.الروض الآنف للسهيلي باب ترجمة ورقة.

لم يكن القس ورقة من النصارى الذين أبحث عنهم المتوحدون مع محمد في نفس الإله برغم أحاديث محمد التي تقول أنه في الجنة ولو سباحة كما الدعموس بل كان مؤمنا بلاهوت المسيح وتلك صفعة أخرى وجهها ليّ السهيلي في الروض الأنف ردا على سؤال منطقي ؛ لماذا قال ورقة لخديجة عندما أستشارته في جبريل فقال لها لو صدقتي يا خديجة فلقد جاءه ناموس موسى فلماذا لم يقل عيسى؟ فيقول السهيلي:

وإنما ذكر ورقة موسى ولم يذكر عيسى، وهو أقرب، لأن ورقة كان قد تنصر، والنصارى لا يقولن في عيسى: إنه نبي يأتيه جبريل، إنما يقولون فيه: إن أقنوماً من الأقانيم الثلاثة اللاهوتية حل بناسوت المسيح، واتحد به على اختلاف بينهم في ذلك الحلول، وهو أقنوم الكلمة، والكلمة عندهم: عبارة عن العلم، فلذلك كان المسيح عندهم، يعلم الغيب، ويخبر بما في غد، فلما كان هذا من مذهب النصارى الكذبة على الله، المدعين المحال، عدل عن ذكر عيسى إلى ذكر موسى لعلمه، أو لاعتقاده أن جبريل كان ينزل على موسى.

(*) الروض الأنف للسهيلي باب معنى الناموس.

لقد كان جهلة العرب يعرفون أن موسى كليم الله ؛ فلماذا فقط ورقة صاحب علم النصرانية يجهل ذلك ويقول أن جبريل جاء لموسى؟ أما القول أن النصارى لا يقولون أن جبريل يأتي عيسى ؛ فماذا عن قول القرآن وأيدناه بروح القدس؟ فمعنى ذلك أن الروح القدس ليس بجبريل فما هو الروح القدس الذي أيد الله به عيسى! أما خوف ورقة من النصارى فذكر موسى ولم يذكر عيسى فهو طعن في شهادة ورقة الجبان الرعديد والقس المنافق الذي لم يبلّغ أتباعه بحقيقة عيسى وخاف منهم وفال موسى وكان الأصح أن يقول عيسى؟ نعم الحل في المدسوس والموضوع والإسرائليات ؛ لكن سيبقى السؤال عالقا ؛ لماذا ذكر موسى ولم يذكر عيسى؟

مات ورقة القس رئيس النصارى في السنة الرابعة ؛ أين دفن القس؟  يقول الأزرقي في أخبار مكة باب ذكر شق مسفلة مكة الشامي وما فيه يقول : مقبرة النصارى: دبر المقلع على طريق بير عنبسة بذي طوى. فترى ما معني مقبرة النصارى؟ أليس هذا دليل على وجود نصراني قوي ؛ هل دفن القس هناك؟ لكن ترى على من كان القس رئيسا؟ وهل هناك قس بلا كنيسة أو بيعة أو أتباع أو شعب يتبعه؟ هل أنكر هؤلاء الصلب وأتفقوا مع محمد في نفس الإله ونفس المعتقد بالنسبة لصلب الشبيه ؟ ويضيف الأزرقي عن كعبة مكة في عصر النبي والقس فيقول :

أن الكعبة كان بها صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالازلام وصورة عيسى بن مريم وأمه وصور الملائكة عليهم السلام أجمعين فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله صلعم فأرسل العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب أمر بطمس تلك الصور فطمست قال ووضع كفيه على صورة عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام وقال امحوا جميع الصور إلا ما تحت يدي فرفع يديه عن عيسى بن مريم وأمه ... وكان في الكعبة تمثال مريم وعيسى ابنها قاعدا مزوقا ... قال وكان تمثال عيسى بن مريم ومريم عليهما السلام في العمود الذي يلي الباب قال ابن جريج فقلت لعطاء متى هلك؟ قال في الحريق في عصر ابن الزبير....  

(*) أخبار مكة للأزرقي باب ما جاء في ذكر بناء قريش الكعبة في الجاهلية.

إن وجود صور عيسى ومريم في الكعبة يثير كثيرا من الأسئلة وخاصة أن النبي طمس كل صور الأنبياء والملائكة وأبقى على صورة عيسى ومريم بل والأكثر إثارة للعجب أن يترك محمد تمثال عيسى وأمه ويظل باق في عصر خلفائه !! لكن السؤال إذا كان ورقة قس مكة ورئيس النصارى فأين البيعة أو الكنيسة التي كان يصلي فيها نصارى مكة؟

لقد كانت الكعبة ربما البناء الوحيد في مكة فهناك قصص تدل على حيرة عرب مكة في بناء الكعبة فبناها لهم نجار قبطي ؛ فهل كانت الكعبة بيعة لنصارى مكة أو هل كان بها مكان للنصارى أتباع القس؟ المتتبع للكعبات في جزيرة العرب قبل الإسلام يجد أن بعضها كان بيع أو كنائس خاصة كعبة نجران وكعبة اليمن.

نعم لقد كانت النصرانية تضرب بجذورها في مكة بل وفي الكعبة ويروي الإمام أبو الفرج في الأغاني أن النعمان أبن المنذر سجن عدي بن زيد فخاطبه عدي من سجنه بقصيدة تلك أبيات منها:

سعى الأعداء لا يألون شـراً  علي ورب مكة والصلـيب

أرادوا كي تمهل عن عـدي  ليسجن أو يدهده في القليب

وكنت لزاز خصمك لم أعرد  وقد سلكوك في يومٍ عصيب 

أعالنهم وأبطـن كـل سـر  كما بين اللحاء إلى العسيب

ففزت عليهم لما التـقـينـا  بتاجك فوزة القدح الأريب

وما دهري بأن كدرت فضلاً  ولكن ما لقيت من العجيب

 (*) الأغاني  أبو الفرج الأصفهاني باب حبس النعمان لعدي بن زيد وما خاطب به عدي النعمان من الشعر.

لقد كان الخطاب من أحد الشعراء النصارى للملك النعمان أبن المنذر النصراني من ملوك الحيرة فهو لا ينافقه فكيف لشاعر نصراني أن يقرن بين رب مكة الوثنية مع الصليب في شعر يتودد فيه لملك نصراني؟ الدلالة الوحيدة لهذا البيت أن النصرانية كانت منتشرة بمكة.

يذكر برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية قال وبينا عبدالمطلب يوما في الحجر وعنده أسقف نجران والأسقف رئيس النصارى في دينهم اشتق من السقف بالتحريك وهو طول الإنحناء لأنه يتخاشع أي يظهر الخشوع وذلك الأسقف يحادثه ويقول له إنا نجد صفة نبي بقى من ولد إسمعيل وهذا البلد مولده ومن صفته كذا وكذا وأتى برسول الله صلعم فنظر إليه الأسقف إلى عينيه وإلى ظهره وإلى قدمه وقال هو هذا ما هذا منك قال هذا ابني قال ما نجد أباه حيا قال هو ابن أبني وقد مات أبوه وأمه حبلى به قال صدقت فقال عبدالمطلب لبنيه تحفظوا بإبن أخيكم ألا تسمعون ما يقال فيه انتهى.

(*) السيرة الحلبية باب وفاة أمه صلعم وحضانة أم أيمن له وكفالة جده عبدالمطلب إياه.

وبعد التغاضي عن التحابيش القرشية والبهار الهاشمي فماذا نفهم من قول أبن هشام " فنظر إليه الأسقف إلى عينيه وإلى ظهره وإلى قدمه وقال ما هذا منك قال هذا ابني قال ما نجد أباه حيا" لا علاقة بين موت أبو محمد وبين قدم محمد وعينيه وظهره فنظر الأسقف يدل على بحثه عن صفات وراثية فكأنه يقول هذا الولد لا ينتمي إلى هذه القبيلة فربما وجد صفات قبيلة كندة ويؤكد ذلك حديث عائشة في صحيح البخاري أن رسول الله صلعم دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما إن بعض هذه الأقدام من بعض أي من أقدمهما عرف المدلجي أن أسامه هو أبن زيد من النسب لكن من هذه الواقعة نرى أن زيارة الأساقفة لمكة لم تنقطع فقد كانت قبل ظهور محمد وجاء وفد من أساقفة نصارى نجران لمناقشة النبي وكفرهم محمد وقال عنهم عباد الصليب ؛ لكن السؤال المهم هل هناك أي حوار في كل كتب السيرة الإسلامية بين نصارى مكة وعلى رأسهم ورقة القس وبين نصارى نجران تقول أنهم كانوا على أختلاف يبنهم من الصليب أم أن الصليب في مكة كما الصليب في نجران؟ فيصبح موقف محمد من الصليب هو بمثابة موقف سياسي وإنقلاب كما هى طبيعته من تغيير القبلة ومواقفه المتناقضة ما بين مكة والمدينة والدعاء إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وبين الدعاء بالسيف وقطع الرقاب. نعم كانت النصرانية التي تقدس صليب المسيح تضرب بجذورها في جزيرة العرب في الجاهلية وفي زمن محمد وقبله.

«نصرانية نجران»

ولمعرفة نجران جغرافيا فهى المنطقة التي تحتل الربع الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية وهى المنطقة الواقعة بين الحجاز واليمن وللأقتراب أكثر من وادي نجران فلقد أورد أبن كثير في البداية والنهاية باب وفد نجران قال : " وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل ". وكان لهذه المنطقة نشاطا تبشيريا داخل الجزيرة العربية والتي أمتدت حتى عكاظ وبرز في هذا النشاط التبشيري القس المصقع أبن ساعدة الإيادي " أسقف نجران؛ كما جاء في تاج العروس للزبيدي" ؛ الذي ما ترك موسما من مواسم أسواق عكاظ إلا والقى عظاته المحكمة التي تحذر عباد الأصنام من الطريق الذي يسلكون وكانت له خطب خلبت لب النبي القرشي وحتى بعد أن جاء بالقرآن كانت تشتاق نفسه لمواعظ قس أبن ساعدة الأيادي الذي كثيرا ما كان يطلب من صحابته أن يعيدوا على مسامعه عظات قس أبن ساعدة الإيادي وكان أبو بكر يحفظها ويتلوها على مسامع النبي ومن يريد الأكثر عليه أن يرجع إلى كتابي القرآن في الشعر الجاهلي. وفي سنة 523م " قبل الإسلام " قام ذو نُوَاس اليهودى بحملة على نصارى نجران، وحاول صرفهم عن النصرانية قسرًا وخدّ لهم الأخدود وألقاهم في النار، وهذا الذي أشار إليه القرآن بقوله‏:‏ ‏" ‏قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ"‏ ‏(البروج‏:‏4‏).

ويشير الأزرقي في أخبار مكة إلى تلك الوقعة فيقول : حدثنا أبو الوليد قال: ... عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس، وعن من لقي من علماء أهل اليمن وكان جل الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إن ملكاً من ملوك حمير يقال له: زرعة ذو نواس وكان قد تهود واستجمعت معه حمير على ذلك إلا ما كان من أهل نجران وهم من أشلاء سبا فانهم كانوا على دين النصرانية على أصل حكم الأنجيل وبقايا من دين الحواريين ولهم رأس يقال له: عبد الله بن ثامر، فدعاهم ذو نواس إلى اليهودية فأبوا فخيرهم فاختاروا القتل فخد لهم أخدوداً وصنف لهم القتل فمنهم من قتل صبراً، ومنهم من أوقد له النار في الأخدود فألقاه في النار إلا رجلاً من سبا يقال له دوس بن ذي ثعلبان، فذهب على فرس له يركض حتى أعجزهم في الرمل فأتى قيصر فذكر له ما بلغ منهم واستنصره فقال له: بعدت بلادك عنا ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على ديننا فينصرك فكتب له إلى النجاشي يأمره بنصره.

(*) أخبار مكة لـ الأزرقي باب ذكر مبتدأ حديث الفيل.

وبعيدا عن كل التفاسير فعدد نصارى نجران الذين قتلهم وأحرقهم ذو نواس تضاربت فيه الأقوال من عشرين ألف إلى سبعين ألف وهذا في كل الأحوال يطلعنا على حجم نصرانية نجران وأساقفتها وكنائسها قبل محمد بكثير والتي ربما تكشف لنا عنها الحفائر عندما يعرف السعوديون كيف ينضمون إلى البشرية ويعرفوا أن هذا التاريخ ليس ملكهم وحدهم بل هو تراث البشرية بأثرها.

قال ياقوت الحموي في معجم البلدان : ديرُ نجرَانَ: في موضعين أحدهما باليمن لآل عبد المدان بين الدَيان من بني الحارث بن كعب ومنه جاء القوم الذين أرادوا مباهلة النبي صلعم وكان بنو عبد المدان بن الديان بنوه مربعاً مستوي الأضلاع والأقطار مرتفعاً من الأرض يصعد إليه بدرجة على مثال بناء الكعبة فكانوا يحجونه هم وطوائف من العرب ممن يحل الأشهر الحرم ولا يحج الكعبة ويحجه خثعمُ قاطبة وكان أهل ثلاثة بيوتات يتبارون في البيع وربها أهل المنذر بالحيرة وغسان بالشام وبنو الحارث بن كعب بنجران وبنوا ديارتهم في المواضع النزهة الكثيرة الشجر والرياض والغدران ويجعلون في حيطانها الفسافس وفي سقوفها الذهب والصُوَرَ وكان بنو الحارث بن كعب على ذلك إلى أن جاء الإسلام.

(*) معجم البلدان لـ ياقوت الحموي باب دير نجران.

وهنا يطلعنا ياقوت الحموي على أن أساقفة نجران الذين أراد النبي مباهلتهم تخرجوا من دير نجران كما يخبرنا الحموي أن هناك في نجران كانت توجد عدة أديرة بناها النجرانيون في الأماكن الكثيرة الشجر والغدران ومن يقرأ الديارات للشابشتي ومعجم البلدان للحموي يجد أن أغلب أديرة العراق كانت تبني في الأماكن كثيرة الشجر والماء. 

ويضيف الحموي في معجم البلدان : كعبة نجران هذه يقال بيعة بناها بنو عبد المدان بن الديان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان فيها أساقفة معتمون " أو مقيمون كما في تاج العروس " وهم الذين جاؤوا إلى النبي صلعم ودعاهم إلى المباهلة، وذكر هشام بن الكلبي أنها كانت قبة من أدم من ثلاثمائة جلد كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد وكان لعظمها عندهم يسمونها كعبة نجران وكانت على نهر بنجران وكانت لعبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل وكان يستغل من ذلك النهر عشرة آلاف دينار وكانت القبة تستغرقها. ثم كان أول من سكن نجران من بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان يزيد بن عبد المدان وذلك أن عبد المسيح زوجه ابنته دهيمة فولدت له عبد الله بن يزيد ومات عبد الله بن يزيد فانتقل ما له إلى يزيد فكان أول حارثي حل في نجران، وكان من أمر المباهلة ما ليس ذكره ... وقد روي عن النبي صلعم أنه قال القرى المحفوظة أربع مكة والمدينة وإيلياء ونجران وما من ليلة إلا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ولا يرجعون إليها بعد هذا أبداً.

(*) معجم البلدان لـ ياقوت الحموي باب نجران.

‏قال أبن كثير أن النبي صلعم كتب لأسقف بني الحارث بن كعب أسقف نجران هذا الكتاب، ولأساقفة نجران بعده‏:‏ ‏بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النَّبيّ للأسقف أبي الحارث، وأساقفة نجران، وكهنتهم، ورهبانهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير، جوار الله ورسوله لا يغير أسقف من أسقفته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا ما كانوا عليه من ذلك، جوار الله ورسوله أبداً، ما أصلحوا ونصحوا، عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين‏‏‏.‏

(*) البداية والنهاية لأين كثير باب وفد نجران. الطبقات الكبرى لـ أبن سعد باب ذكر بعثة رسول الله صلعم الرسل بكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وما كتب به رسول الله صلعم لناس من العرب وغيرهم.

جاء في أسباب النزول للواحدي النيسبوري: قال المفسرون: قدم وفد نجران، وكانوا ستين راكباً على رسول الله صلعم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم، فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح، والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم، وإمامهم وصاحب مدارسهم، ...  وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلعم، فقال رسول الله صلعم دعوهم فصلوا إلى المشرق، فكلم السيد والعاقب رسول الله صلعم، فقال لهما رسول الله صلعم: أسلما، فقالا: قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا: إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعاً في عيسى، فقال لهما النبي صلعم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى أتى عليه الفناء؟ قالوا: بلى... فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها.

(*)الواحدي أسباب نزول القرآن باب سورة آل عمران.

وهنا يطلعنا الواحدي النيسبوري على نصرانية نجران وحجمها وأن لهم أساقفة " كما جاء في الأغاني للإمام أبو الفرج الأصفهاني والطبقات الكبرى لأبن سعد وذكرهم الأعشى في أشعاره" على عصر النبي كما كان لهم أسقف في عصر جد محمد وأنهم يؤمنون بصلب المسيح وموته. وهو أمتداد للأساقفة المعتمدين الذين ذكرهم ياقوت الحموي في معجم البلدان. هذا ما بدأ به محمد مع أهل نجران ؛ لكن ماذا كانت نهايتهم عند وفاة محمد ومع خليفته وأبو محبوبته؟

قال أبو جعفر : ولما بلغ أهل نجران وفاة رسول الله صلعم وهم يومئذ أربعون ألف مقاتل ، من بني الأفعى ، الأمة التي كانوا بها قبل بني الحارث ، بعثوا وفداً ليجددوا عهداً ، فقدموا إليه فكتب لهم كتاباً :

بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله صلعم لأهل نجران ، أجارهم من جنده ونفسه ، وأجاز لهم ذمة محمد صلعم إلا ما رجع عنه محمد رسول الله صلعم بأمر الله عز وجل في أرضهم و أرض العرب ، ألا يسكن بها دينان ، أجارهم على أنفسهم بعد ذلك و ملتهم وسائر أموالهم وحاشيتهم وعاديتهم ، وغائبهم وشاهدهم ، وأسقفهم ورهبانهم وبيعهم حيثما وقعت ، وعلى ما ملكت أيديهم من قليل أو كثير ، عليهم ما عليهم ، فإذا أدوه فلا يحشرون ولا يعشرون . ولا يغير أسقف من أسقفيته ، ولا راهب من رهبانيته ، ووفى لهم بكل ما كتب لهم رسول الله صلعم وعلى ما في هذا الكتاب من ذمة محمد رسول الله صلعم وجوار المسلمين .

(*)تاريخ الطبري باب ذكر خبر المرتدين باليمن.

أربعون ألف مقاتل حجم مقاتلي نجران عند وفاة محمد يدلنا على حجم نصرانيتها وحجم مأساتهم. لكن أبو بكر صرح بوضوح لا لبس فيه أن محمدا تلون وتغير موقفه من أهل نجران وبعد أن أقر في بداية تعامله مع أهل نجران بصون نصرانيتهم مقابل الجزية تبدل إلى إجلائهم وطردهم من نجران لو تمسكوا بنصرانيتهم بأمر الله فطرد من جزيرة العرب من تمسك بنصرانيته أم من جبن وخاف فأسلم بسيف محمد وخلفائه تلك واحدة من مآسي قبائل نصارى العرب في ظل دولة محمد نبي الرحمة.

 

نعم إن موقف محمد من نجران وأهلها وأساقفتها موقف محير لا يمكن أن يخرج منه الباحث بنتيجة فمن السهل عليّ أن أمسك الزئبق ولكن ليس في أستطاعتي أن أعرف ما هو موقف محمد والقرآن من نجران وأهلها؟

ويحضرني قول الشاعر:

يعطيك من طرف اللسان حلاوة    ويروغ منك كما يروغ الثعلب

محمد يأتي بآية لأصحاب الأخدود النصارى الذين قتلهم ذو نواس اليهودي ويقول أن 70000 ملك كل يوم يترحمون على نصارى الأخدود ويأتي كل يوم جديد بـ 70000 ملك جديد يترحمون على نصارى الأخدود ومن ناحية أخرى موقف محمد من أهل نجران لا يختلف كثيرا عن موقف ذي نواس اليهودي الذي أراد إقتلاع نصرانية نجران بأن خد لهم الأخدود أما محمد فأمر بطردهم وإقتلاعهم من أرضهم!.

قال رسول الله صلعم في البداية والنهاية لأبن كثير باب ذكر قس بن ساعدة الإيادي والمنتظم في التاريخ لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الجزء الثاني باب ذكر الحوادث في سنة خمس عشرة من مولده صلعم. قال " ‏رحم الله قساً أما إنه سيبعث يوم القيامة أمة واحدة " لقد عاصر النبي وسمع خطب قس أبن ساعدة أسقف نجران وطلب من كل من يحفظها أن يعيد على مسامعه عظات الأسقف قس أبن ساعدة ومن ناحية أخرى محمد كفر أساقفة نجران وخلفاء الأسقف قس بن ساعدة وقال بكفرهم وعبادتهم للصليب وشربهم للخمر وأكلهم للخنزير ؛ محمد كتب لأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم وجوار الله ورسوله لا يغير أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانيته ولا كاهن عن كهانته ؛ ومحمد نفسه يأمر خلفائه بطرد نصارى نجران من بلادهم ومن بلاد أجدادهم ؛ ما الذي جرى هل تغير إيمان أساقفة نجران وكهنتها ورهبانها؟ متى؟ من الذي غيرها؟ محمد مدح أسقف نجران قس بن ساعدة وأنقلب وكفر خلفائه ؛ ما الذي جرى؟ قال النبي صلعم أن القرى المحفوظة أربع مكة والمدينة وإيلياء ونجران. هكذا قال نبي الملحمة ثم أدار ظهره وقال : عن أبي عبيدة بن الجراح قال: إن آخر ما تكلم به النبي صلعم أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب.

 (*)صحيح مسلم باب إِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ‏. حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصفهاني باب وكيع بن الجراح. الجامع الصغير للسيوطي حديث رقم7190.

إن الدراسة المدققة والمتأنية لموقف محمد من نجران وأساقفتها وأهلها يخرج بنتيجة واحدة لا ثاني لها هى أن موقف محمد هو موقف سياسي لا ديني ولا علاقة له بالإله ولا بالسماء وكتبها. أين النصارى الذين توحد معهم محمد في نفس الإله؟ أين النصارى الذين يعتبرون الصليب وثن كما يقول به محمد؟ أين النصارى الذين يؤمنون بصلب شبيه المسيح؟

«نصرانية اليمن»

اليمن من حيث طبيعة شعبها فهو شعب يجيد الصناعة والزراعة وعرف الكتابة قبل أن يعرفها القرشيون بقرون ويعتبر القرشيون اليمنيين من العلوج لعملهم في الصناعة والزراعة أما من حيث الموقع الجغرافي تقع جنوب نجران الني تجذرت فيها النصرانية وذكر القرآن قصة نصارتها أصحاب الأخدود ويفصلها مضيق صغير عن نصرانية الحبشة والبعض يقول بأنشار النصرانية بها قبل إحتلال الحبشة لها سنة 340 م؛ والبعض يقول بل أنتشرت النصرانية فيها مع إحتلال الحبشة وهذا ليس مبحثي لكن مبحثي عن النصارى الذين يتوحدون مع محمد في نفس الإله ونفس المعتقد في صلب المسيح. ويذكر أبن سعيد أن اليمن عرف النصرانية والصليب قبل محمد بأكثر من قرنين من الزمان.

ذكر ابن سعيد قال ذكر البيهقي أنه في دولة عمرو انتقل مفتاح الكعبة من ولد إسماعيل إلى خزاعة. وذكر أن عبد كلال بن مثوب الحميري كان أخا عمرو المذكور من أمه " عمرو بن تبع بن أسعد بن عدي بن صيفي ابن سبأ الأصغر الحميري " ، ومن بيت الملك، فحصلت له التبعية باليمن بعده. وبلغه قوة دين النصرانية، فمال إليها، وكان يكتم ذلك. واشتهر بالزهد وطلب الآخرة. وفي مدته عاثت العرب في بلادها وأرياف العراق، فخرج عليها سابور ذو الأكتاف، وفعل فيهم الأفعال الشنيعة.

وذكر صاحب الكمائم أن عبد كلال كان قد هم بأن يحمل أهل اليمن على دين المسيح لما رأى من غلبته على دين اليهود الذي دانت به اليمانية في ذلك الأوان، فبلغه ما فعل سابور بأهل هذه الملة، وأنه حصر مدينتهم العظيمة القسطنطينية وأقسم أن يكسر الصلبان ويفني أهل هذا الدين، فخاف إن أظهر ذلك أن يجعله سببا لغزوه مع ما كان يعتقده من إفناء العرب واستئصالهم، فمات وهو كاتم له، ولم يظهره إلا لبعض خواصه، ووجد الصليب في بيته حين مات. وكان ملكه أربعاً وثلاثين سنة.

(*)نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب لـ أبن سعيد باب عبد كلال بن مثوب الحميري.

كان سابور الثاني الملقب بذي الأكتاف قد حكم بلاد فارس من 309 م - إلى 379 م.

نعم إن اليمن يرقد على منجم تاريخي ربما يزيل الغموض عن بعض المبهمات والتناقضات التي يعج بها القرآن ومنها الرحمن فيذكر جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام بعض النصوص التي وجدها علماء الآثار والمنقبون فيقول :

قد جاء اسم "شرحب ايل يكف" "شرحبيل يكف" في كتابة مؤرخة بسنة "575" من التقويم الحميري، المقابة لسنة "460" للميلاد. وقد وردت في الكتابة جملة: "رحمنن وبنهو كرشتش غلبن"، أي "الرحمن وابنه المسيح الغالب"، وقد استعمل لفظة "كرشتش" في مقابل لفظة Christus، مما يدل على إن صاحبها نصراني.

ويقول في موضع آخر : العبارة الاتية: " بخيل وردا ورحمت رحمنن ومسحو ورح قدس سطرو ذن مزندن. إن ابره عزلى ملكن اجعزين رمحز زبيمن ملك سبأ وذ ريدن وحضرموت ويمنت واعربهمو طودم وتهمت"، أي "بحول و قوة ورحمة الرحمن ومسيحه وروح القدس. وسطروا هذه الكتابة. إن أبرهة نائب ملك الجعزيين رمحز زبيمان ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت وأعرابها في النجاد وفي تهامة ".

ويقول في نص أخر وجد مدونا على "سد مأرب" بجملة: "بخيل ودا ورحمت رحمن ومسحهو ورح قدس"، ومعناها: "بحول وقوة ورحمة الرحمن ومسيحه وروح القدس"، والجملتان من الجمل التي ترد في نصوص اليمن لأول مرة، وذلك بسبب كون أبرهة نصرانياً، وقد صارت النصرانية في أيام احتلال الحبش لليمن ديانة رسمية للحكومة، باعتبار أنها ديانة الحاكمين.

ويقول في نص أخر وجده المنقبون "ريكمنس" عن النص الأصيل: "بخيل رحمنن ومسحهو ملكن ابره زبيمن ملك سبا وذ ريدن وحضرموت ويمنت واعربهمو طودم وتهمت سطرو ذن سطرن كغزيو معدم غزوتن ربعتن بورخن ذ ثبتن كقسدو كل بنيعمرم وذكى ملكن ابجر بعم كدت وعل وبشرم بنحصنم بعم سعدم و م.خ ض.و وضرو قدمى جيشن على بنيعمرم كدت وعلى ود، ع. ز. رن. مردم وسعدم بود بمنهح تربن وهرجو وازرو ومنمو ذ عسم ومخض ملكن بحلبن ودنو كطل معدم ورهنو وبعدنهو وزعهمو عمرم بن مذرن ورهنهمو بنهو وستخلفهو على معدم معدم وقفلو بن حلبن بخيل رحمنن ورخهو ذلئنى وسثى وست ماتم ".

ونصه في عربيتنا: "بحول الرحمن ومسيحه. الملك أبرهة زبيمان ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت "اليمن" وأعرابها في الطود "

(*) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد على الفصل الحادي و الثلاثون باب سبأ و ذو ريدان و حضرموت و يمنت.

أما من ناحية حكامها فيقول الفيروزآبادي: "أن كثير من ملوك اليمن والحيرة تنصروا؟؟

أما اليعقوبي فيقول في تاريخه في باب أديان العرب : وأما من تنصر من أحياء العرب، فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى، منهم: عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وورقة بن نوفل بن أسد، ومن بني تميم بنو امرىء القيس بن زيد مناة، ومن ربيعة بنو تغلب، ومن اليمن طيء، ومذحج، وبهراء، وسليح، وتنوخ، وغسان، ولخم. ويضيف اليعقوبي في باب ملوك الشام :  كانت قضاعة أول من قدم الشأم من العرب، فصارت إلى ملوك الروم فملكوهم، فكان أول الملك لتنوخ بن مالك بن فهم بن تيم الله ابن الأسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن الحاف بن قضاعة، فدخلوا في دين النصرانية، فملكهم ملك الروم على من ببلاد الشام من العرب، فكان أول من ملك منهم: النعمان بن عمرو بن مالك.

(*) تاريخ اليعقوبي باب ملوك الشام.

وكلما أقتربنا من فترة ظهور النبي القرشي يزداد الأمر وضوحا فيذكر أبن الأثير وأبن الجوزي : لما دام ملك أبرهة باليمن وتمكن به بنى القليس بصنعاء وهي كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ثم كتب إلى النجاشي‏:‏ إني قد بنيت لك كنيسة لم ير مثلها ولست بمنتهٍ حتى أصرف إليها حاج العرب‏.‏

فلما تحدثت العرب بذلك غضب رجل من النسأة من بني فقيم فخرج حتى أتاها فقعد فيها وتغوط ثم لحق بأهله فأخبر بذلك أبرهة وقيل له‏:‏ إنه فعل رجل من أهل البيت الذي تحجه العرب بمكة غضب لما سمع أنك تريد صرف الحجاج عنه ففعل هذا‏.‏

(*) الكامل في التاريخ لـ أبن الأثير باب ذكر أمر الفيل. المنتظم في التاريخ لـ أبن الجوزي. تاريخ الأمم والملوك للطبري.

أما ياقوت الحموي في معجم البلدان فيورد لنا تفاصيل أكثر عن تلك الكنيسة فيقول :

قال هي الكنيسة التي بناها أبرهة ... وأنه جعل على أعلى الكنيسة خشباً كرؤوس الناس، ...  وكان ينقل إليها آلات البناء كالرخام المجزع، والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس صاحبة سليمان عليه السلام وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ، وكان فيه بقايا من آثار ملكهم، فاستعان بذلك على ما أراده من بناءِ هذه الكنيسة، وبهجتها، وبهائها، ونَصَبَ فيها صلباناً من الذهب، والفضة، ومنابر من العاج، والآبنوس وكان أراد أن يرفع في بنيانها حتى يشرف منها على عَدَن ...  فلما هلك ومُزقت الحبشة كل ممزْق وأقفرَ ما حول هذه الكنيسة ولم يعمرها أحدٌ كُثَرت حولها السباعُ والحيّات، وكان كل من أراد أن يأخذ منها أصابته الجنُّ فبقيت من ذلك العهد بما فيها من العدد والآلات من الذهب والفضة ذات القيمة الوافرة، والقناطير من المال لا يستطيع أحد أن يأخذ منه شيئاً إلى زمان أبي العبّاس السفّاح فذكر له أمرُها، فبعث إليها خاله الربيِع بن زياد الحارثي عامله على اليمن، وأصحبه رجالاً من أهل الحزْم والجلد، حتى استخرج ما كان فيها من الآلات والأموال وخرَّبها حتى عفا رسمها وانقطع خبرُها، وكان الذي يُصيب من يريدها من الجنّ منسوباً إلى كُعيت وامرأته صنمان " على طريقة أساف ونائلة تأمل التقليد! " كانا بتلك الكنيسة بنيت عليهما فلما كسر كُعيت وامرأته أصيب الذي كسرهما بجذام فافتَتَن بذلك رَعاعُ اليمن.

(*) معجم البلدان لـ ياقوت الحموي باب القليس.

الواضح من كل هذا أن الديانة التي كانت غالبة على أهل اليمن قبل الإسلام وقبل ظهور النبي القرشي هى النصرانية وأنتشرت في اليمن الكثير من الكنائس والبيع والتي حاول المسلمون بعد محمد طمس كل أثر لنصرانية اليمن فقام أولي الأمر بهدم البيع والكنائس وخاصة بصنعاء فيقول الأبشيهي : كان عروة بن محمد يهدم البيع بصنعاء وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين. وشدد في ذلك عمر بن عبد العزيز وأمر أن لا يترك في دار الإسلام بيعة ولا كنيسة بحال قديمة ولا حديثة، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(*) المستطرف للأبشيهي باب الفصل الثاني في أحكام أهل الذمة

خلاصة القول أنني لم أعثر خلال بحثي في نصرانية اليمن قبل محمد عن أي أثر للنصارى الذين ينكرون صلب المسيح ويقولون بصلب الشبيه لكنني خرجت بمفهوم جديد عن الرحمن الذي كان يقول به أهل اليمن قبل محمد ؛ ومسيحه الظافر وروحه القدوس وعلى ما يبدو أن الرحمن في لغة اليمن تعني الآب وقرينة ذلك ما نطقت به صخور اليمن "الرحمن وابنه المسيح الغالب". كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ 30 الرعد.

قُلِ ادْعُواْ الله أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً 110 الاسراء

وهنا نطقت حجارة اليمن بما حار فيه المفسرون فالرحمن هو الآب في لغة اليمن وأبنه المسيح الغالب الظافر وروحه القدوس والله هو إله عبد المطلب وإله قريش في الجاهلية فكيف يجمع محمد بين إله أهل الكتاب وإله عابد الصنم عبد المطلب وعاب عليه العرب في عصره وقالوا  أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ 5 "ص"

لكن المفسرين لا تغلبهم الحيلة فسيقولون أن الإسلام دين التوحيد. أي توحيد؟ هل هو توحيد الآلهة الوثنية مع الرحمن؟ وبذلك يصبح الإسلام دين التوحيد وليس دين الوحدانية.

إن إكتشاف كلمة الرحمن قبل الإسلام في كتابات على سد مآرب باليمن يستحق الدراسة المتأنية ؛ فكلمة الرحمن العلم لم ترد في القرآن على أمتداد 100 سورة ولكنها وردت فقط في 14 سورة وقرابة الـ 50 مرة ؛ منها فقط في سورة مريم وحدها 16 مرة ؛ وهى دلالة على أن هذه السورة كانت موجهة للنصارى الذين يقولون بالرحمن ؛ كما أنها وردت في القرآن المدني 3 مرات فقط بينما في القرآن المكي وردت 48 مرة. وهنا يطرأ سؤالا على رأسي له دلالات مهمة ؛ لماذا سكت محمد عن أستخدام الإله الرحمن في الفترة المدنية وأستخدمه بإسهاب في حقبة زمنية من الفرآن المكي؟  ويتجاذبك القرآن في الرحمن يمنة ويسرى فتارة يقول قل لو كان للرحمن ولدا فأنا أول العابدين وتارة يقول ما كان للرحمن أن يتخذ ولدا!!

نعم نحتاج دراسة معمقة للفظ الرحمن والظروف المحيطة به خاصة أن الرحمن كان يقول به مسيلمة قبل محمد ومسيلمة من بني حنيفة التي كانت تغلب عليهم النصرانية وتزوج من سجاح التغلبية " النصرانية كما ذكر أبن خلدون في تاريخه " وكانت تغلب على دين النصرانية مع الأخذ في الأعتبار الأتفاق الذي أقرت به بعض المراجع الإسلامية بين محمد ومسيلمة.

«نصرانية العراق»

إن الدارس لنصرانية العراق ليزهل من تجذر النصرانية في العراق وحجمها فتكاد كل مدن العراق تنطق بآثار النصرانية فيها وخاصة أديرتها المنتشرة من شمالها إلى جنوبها.

و ذكروا أن ابن ملجم قال قبل أن يضرب علياً قال الله تعالى و كان جالساً في بني بكر وائل إذ مر عليه بجنازة أبجر بن جابر العجلي أبي حجار ، وكان نصرانياً ، والنصارى حوله ، وأناس مع حجار لمنزلته فيهم يمشون في جانب وفيهم شقيق ابن ثور ـ فقال ابن ملجم : ما هؤلاء ؟ فأخبر الخبر ، فأنشأ يقول :

    لئن كان حجار بن أبجر مسلماً       لقد بوعدت منه جنازة أبجر

    و إن كان حجار بن أبجر كافراً       فما هذا من كفور بمنكر

    أترضون هذا أن قيساً و مسلماً       جميعاً لدى نعش فيا قبح منظر !

    فلولا الذي أنوى لفرقت جمعهم       بأبيض مصقول الدياس مشهر

      لكنى أنوى بذاك وسيلةإلى الله       أو هذا فخذ ذاك أو ذر

(*) تاريخ الأمم والملوك للطبري باب ذكر الخبر عن قنله " عليّ " ومقتله.

وهنا يذكر الطبري أن بن ملجم كان يجلس وكانوا النصارى حوله وهم من بنو عجل ولم يترك بنو عجل نصرانيتهم إلى أيام بني أمية فيقول الإمام أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني باب أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه وكان شاعرا وكان يهجو حجار أبن أبجر بن جابر العجلي من أشراف أهل الكوفة فقرعه أبن الزبير قائلا:

ولكنهم النصارى سدت ومن يكـن  كذلك أهلٌ أن يسود بني عـجـل

ولكنهم كانوا لئامـاً فـسـدتـهـم  ومثلك من ساد اللئام بلا عـقـل

وعندك قسيس النصارى وصلبهـا  وغانيه صهباء مثل جنى النحـل

فغاظ هذا الشاعر بني عجل فهددوه بالقتل لهجوه سيدهم فقال أبن الزبير:

تهددني عجلٌ وما خلت أنـنـي  خلاةٌ لعجل والصليب لها بعل

وهنا يقرن أبن الزبير بين النصارى والقسيسين والصلبان التي أعتبرها أنها بعل للنصارى فكان الصليب له تلك المنزلة الرفيعة في الكوفة وفي النصارى الساكنين فيها فالصليب متأصل في هذه القبيلة قبل الإسلام وأستمر كذلك بعد الإسلام.

قال الزبيدي في تاج العروس باب ص-ل-ب:  الصَّلِيبُ: العَلم بفتح العَين واللامِ. قال النابغة:

ظَلَّت أَقَاطِـيع أَنْـعَـامٍ مُـؤَبّـلَةٍ         لَدَى صَلِيبٍ على الزَّوْرَاءِ مَنْصُوبِ 

والزَّورَاء: المَفازَة المَائِلة عن القصد والسمت. وقال الأَصمعِيّ: الزوراء هي الرصَافة، رصافة هِشَامِ، وكانت للنعمَان وَكَان والِيَها. وقِيلَ: سَمَّى النابغة العلم صَلِيباً لأَنه كان عَليه صَلِيب، لأَنه كَانَ نَصْرَانِيّاً.

(*) تاج العروس للزبيدي باب ص-ل-ب

في هذا البيت من الشعر يصف النابغة الذبياني في الجاهلية أن الصليب كان العلم والراية التي نصبها النعمان بن المنذر على الرصافة وكان النعمان يدين بالنصرانية ؛ فترى هل كانوا ينصبون صليب الخائن شبه المسيح أم أنه صليب المسيح الذي يفتخر به النصارى؟

ويضيف ياقوت الحموي في معجم البلدان باب الزوراء قال الأصمعي: وليس للزوراءِ ماء لكنهم أنما نصبوا الصليب تبركاً به.

ترى هل كان العرب قبل الإسلام ينصبون صليب الخائن أو الشبيه تبركا به؟ لا مجال أن عرب ما قبل الإسلام قد تباركوا بصليب المسيح ومن هنا أين هم النصارى الذين لم يكفرهم القرآن وأنهم يقولون في صلب المسيح كما يقول القرآن وأنهم متوحدين مع محمد في نفس الإله؟

ويقول المسعودي عن لمحات من خراب أديرة الحيرة: قد كان جماعة من خلفاء بني العباس- كالسفاح، والمنصور، والرشيد، وغيرهم- ينزلونها يَصِلُون المقام بها لطيب هوائها، وصفاء جوهرها، وصحة تربتها، وصلابتها، وقرب الخورنق، والنجف منها، وقد كان فيها ديارات كثيرة فيها رهبان، فلحقوا بغيرها من البلاد، لتداعي الخراب إليها، وأقفرت من كل أنيس في هذا الوقت ليس بها إلى الصدَى والبُوم، وعند كثير من أهل الدراية التامة بما يحدث في المستقبل من الزمان: أن سَعدها سيعود بالعمران، وأن هذا النحس عنها سيزول؛ وكذلك الكوفة.

(*) مروج الذهب للمسعودي باب خراب الحيرة.

وهنا يطلعنا المسعودي أن هناك أديرة كثيرة ونري عشرات العشرات من الأديرة التي ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان وجواد الطاهر على في المفصل في تاريخ العرب ويستطيع الإنسان أن يصل إلى أن سكان العراق بجملتهم كانت تغلب فيهم النصرانية وسادت وقد لا تخلو أيا من مدنها من الأديرة فقد ذكر جواد على بعض من هذه الأديرة فقال : قد عثر على آثار كنائس في خرائب الحيرة، وأشار أهل الأخبار إلى وجود الكنائس والبيع والأديرة في الحيرة. وذكر "ياقوت الحموي" أسماء عدد من الأديرة كانت بالحيرة أو بأطرافها وبالبادية، منها: "دير ابن برّاق " بظاهر الحيرة، و " دير ابن وضّاح" بنواحي الحيرة، وديارات ألأساقف، وهي جملة أديرة كانت بالنجف ظاهر الكوفة بحضرتها نهر الغدير، و"دير الأسكون". ودير الأعور، بظاهر الكوفة بناه رجل بن إياد يقال له الأعور من بني حذافة بن زهر بن إياد، ودير بني مرينا، بظاهر الحيرة عند موضع جفر الأملاك، ودير حنظلة، منسوب إلى حنظلة بن أبي عفراء بن النعمان وهو الذي بناه وترهب فيه حتى مات. ودير حنظلة بالحيرة،وهو منسوب إلى حنظلة بن عبد المسيح ين علقمة، ودير حنة، وهو بالحيرةّ كذلك بناه المنذر لقوم من تنوخ يقال لهم بنو ساطع ، ودير السوا بظاهر الحيرة يتحالفون عنده، ودير الشاء، ودير عبد المسيح وهو بظاهر الحيرة بموضع الجرعة بناه عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة، ودير علقمة بالحيرة منسوب إلى علقمة بن عدي بن الرميك بن توب بن أسس بن دبي بن نمارة بن لخم، ودير قرة وهو دير بإزاء دير الجماجم بناه رجل اسمه قرة من بني حذافة ابن زهر بن إياد في أيام المنذر بن ماء السماء، ودير اللُجّ وهو بالحيرة بناه النعمان بن المنذر أبو قابوس، و "كان يركب في كل أحد اليه، وفي كل عيد، ومعه أهل بيته، خاصة من آل المنذر، عليهم حلل الديباج المذهبة، وعلى رؤوسهم أكاليل الذهب، وفي أوساطهم الزنانير المفصصة بالجوهر، وبين أيديهم أعلام فوقها صلبان.

ودير مارت "مارة" مريم. وهو دير قديم من أبنية آل المنذر بنواحي الحيرة بين الخورنق والسدير وبين قصر أبي الخصيب مشرف على النجف، ودير مار فايثون بالحيرة أسفل النجف، ودير مر عبدا بذات الأكيراح من نواحي الحيرة منسوب إلى مر عبدا بن حنيف بن وضاح اللحياني كان مع ملوك الحيرة، دير ابن المزعوق، وهو دير قديم بظاهر الحيرة، ودير هند الصغرى بنت النعمان بن المنذر المعروفة بالخَرقٌة، وكانت به قبور أهلها، بنته هند في ايام "خسرو أنو شروان" في زمنْ مار افريم الأسقف. وأما الدير إلمعروف بدير هند الأقدم، فنسب بناؤه إلى هند الكبرى، أم عمرو بن هند.

 (*) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد الطاهر علي الفصل التاسع والسبعون النصرانية بين الجاهليين.

هذه بعض الأديرة التي ذكرها الدكتور جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام وهى جزء قليل مما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان والشابشتي في كتابه الديارت ؛ نعم إن المرء ليذهل من عدد وأسماء الأديرة بأرض العراق وعدد الرهبان الذين كانوا يقطنون بهذه الديارات حتى بعد دخول الإسلام وإجتياح بدو قريش لبلد الحضارة فتحولت معظم أديرته إلى خرائب. 

 جاء في خزانة الأدب للبغدادي: هند بنت النعمان، لها ديرٌ بظاهر الكوفة باقٍ إلى اليوم. ولما كان المغيرة بن شعبة الثقفي والياً بالكوفة من قبل معاوية - وكان أحد دهاة العرب - أرسل إلى هند بنت النعمان يخطبها، وكانت قد عميت، فأبت وقالت: والصليب ما في رغبة لجمال، ولا لكثرة مال، وأي رغبةٍ لشيخ أعور في عجوز عمياء ولكن أردت أن تفخر بنكاحي، فتقول: تزوجت بنت النعمان بن المنذر فقال: صدقت والله. وأنشأ يقول:

أدركت ما منيت نفسي خالـياً    لله درك يا ابنـة النـعـمـان

فلقد رددت على المغيرة ذهنه     إن المــلوك ذكـية الأذهـان

إني لحلفك بالصليب مصـدقٌ     والصلب أصدق حلفة الرهبان

  ولقد رددت على المغيرة ذهنه    إن الملوك بـطـيئة الإذعـان

يا هند حسبك قد صدقت فأمسكي  والصدق خير مقالة الإنـسـان

وروي أن المغيرة هذا أدمى ثمانين بكراً، ومات بالكوفة وهو أميرها، بالطاعون سنة خمسين. انتهى.

(*) خزانة الأدب لـ عبد القادر البغدادي باب الشاهد الثامن بعد الخمسمائة. كتاب الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني باب ترهب هند بعد قتل عدي خطبها المغيرة بن شعبة فردته.

لقد ذكر البغدادي فضائل ومناقب الصحابي الجليل حبيب رسول الله ؛ فذكر أنه أفتض بكارة ثمانين بنتا عذراء وجاء ليتزوج بنت النعمان ؛ لكن ما أردت قوله ولم يقله البغدادي أن بنت النعمان كانت تعظم الصليب وتقسم به والمغيرة يعرف أن القسم بالصليب هو قسم صادق ؛ فهل هو صليب الخائن أو الشبيه أم هو صليب المسيح صليب الفداء صليب الخلاص؟ ولمعرفة الفارق بين المغيرة وهند أورد ما قاله يقوت الحموي في معجم البلدان عن دير هند الكبرى التي تربت هند الصغرى على مبادئها.

ديرُ هِندٍ الكُبَرى: وهو أيضاً بالحيرة بَنته هند أمُ عمرو بن هند وهي هند بنت الحارث بن عمرو بن حُجر آكل المُرَار الكندي وكان في صدره مكتوب بَنَتْ هذه البيعة هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر الملكة بنت الأملاك وأمُ الملك عمرو بن المنذر أمَةُ المسيح وأم عَبده وبنت عبيده في ملك ملك الأملاك خسرو أنوشروان في زمن مار افريم الأسقف فالإله الذي بَنت له هذا الدير يغفر خطيئتها ويترحم عليها وعلى ولدها ويقبل بها وبقومها إلى إقامة الحق ويكون الله معها ومع ولدها الدهر الداهر.

كان ميلاد ما أفرايم في السنوات الأولى من بداية القرن الرابع الميلادي فهي تقول أنها أمة المسيح أي عبدته وأبنها الملك عبده ووالديها عبيد المسيح أيضا ؛ لكن هل هناك أي وجه للمقارنة بين من تربوا في حضرة المصطفي ومن تربوا على مبادئ النصرانية؟ هل لي من تعليق على ما فعله المغيرة الأعور مع هند الراهبة العجوز المنقطعة للعبادة؟ ليس ليّ إلى ما قالته الجونية عندما دخل عليها النبي وقال لها هبي ليّ نفسك فقالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ؛ ترى ألا يصلح أن أقولها للمغيرة وأمثاله.   

«نصرانية الحبشة»

 لن أخوض في متى دخلت النصرانية إلى الحبشة فهو ليس مبحثي لكن أريد أن أعرف موقف النصرانية في الحبشة من الصليب قبيل ظهور محمد لكي أعرف من هم النصارى الذين مدحهم النبي وقال أنهم متوحدون معه في نفس الإله ولهم أجرهم في الجنة ولا خوف عليهم وهم فوق الذين كفروا ولا يملكون دمعهم لدى سماعهم لرقة الفرآن.

ذكر كل كتاب سيرة محمد ومؤرخي الإسلام شعر عبد المطلب الذي يشير فيه إلى إعزاز الحبشة للصليب فقال عبد المطلب جد محمد شعرا عندما غزا ملك الحبشة الكعبة وكان هذا في العام الذي ولد فيه محمد ويذكر عبد المطلب أن راية ملك الحبشة كانت الصليب فقال عبد المطلب :

    اللهم إن العبد يمنع        رحلــه فامنع حـلالك

    لا يغلبن صليبهـم         وضلالهم عدوا محـالك

    فلئن فعلت فــربما      أولى فأمر ما بــدا لك

    و لئن فعلت فإنــه       أمـر تتـم به فعـالك

    جروا جموع بلادهم       والفيل كي يسبوا عيالك

    عمدوا حماك بكيدهم      جهلاً و ما رقبوا جلالك

و قال أيضاً:

    و كنت إذا أتى باغ بسلم        نرجى أن تكون لنـا كذلك

    فولوا لم ينالوا غير خزي       وكان الحـين يهلكهم هنالك

ولم أسمع بأرجس من رجال       أرادوا العز فانتهكوا حرامك

(*) تاريخ الطبري باب القسم الثاني ـ ذكر بقية خبر تبع أيام قباذ وزمن أنوشروان وتوجيه الفرس الجيش إلى اليمن لقتال الحبشة وسبب توجيهه إياهم إليها. تاريخ اليعقوبي باب ولد إسماعيل بن إبراهيم. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي باب ذكر الفيل حين ساقته الحبشة. السيرة الحلبية للإمام برهان الدين الحلبي باب باب ذكر مولده صلعم وشرف وكرم. السيرة النبوية لأبن إسحاق باب حديث الفيل.الكامل في التاريخ لأبن الأثير باب ذكر أمر الفيل. الملل والنحل للشهرستاني الباب الثاني المحصلة من العرب علومهم. كتاب الحيوان للجاحظ باب قصة الفيل.

ويضيف السهيلي في الروض الأنف وأبن خلدون في تاريخه وغبرهما بيتا

وانصر على آل الصليب  وعابـديه الـيوم آلـك

لقد كان إيمان نصارى الحبشة مبني على الأفتخار بالصليب وأتخاذه رمزا وعلما وقد أتخذه أبرهه لواء له وراية عندما هاجم الكعبة وكان ذلك عام ولادة محمد ؛ ولقد مدح محمد إيمان النجاشي خليفة أبرهه وأثنى على إيمانه وعدالته فهل تغير إيمان نصارى الحبشة من تقديس الصليب والأفتخار به إلى إنكار الصليب وتكفير من يقول به أم هي من أفعال الناسخ والمنسوخ الذي تميز به محمد وكتابه من دون الأنبياء ومن دون كتب الله؟ أما هذا الشعر الذي يتوسل فيه عبد المطلب إلى ربه وناجاه بأن ينصر بيته ويذل "آل الصليب" وإن كان يدل على مدى تقديس نصارى الحبشة في عصر الجاهلية للصليب فهو يظهر على الجانب الأخر عقيدة عبد المطلب فهو وأهل مكة يطلق عليهم في الجاهلية أهل الله أو آل الله أو أهل الحرم لأن مكة كان يطلق عليها في الجاهلية البلد الحرام وموقف عبد المطلب من الصليب هو أنه ضلالة وأن النصارى في نظره هم عباد الصليب وهو نفس موقف محمد وكل المسلمين من بعده فتطابق موقف محمد من الصليب مع موقف عابدي الأوثان يشير إلى وحدة المصدر.

قال الإمام أبو الفرج في الأغاني :  طلب سيف بن ذي يزن الحميري مساعدة كسرى ملك الفرس وقصة تطول ... فجمع كسرى مستشاريه فأشاروا بإرسال 800 من المساجين لمحاربة الحبشة وإخراجهم من اليمن .. وأمر بهم كسرى فأحضروا المساجين فوجد ثمانمائة رجل، فولى أمرهم رجلاً معهم يقال له وهرز، وكان رامياً شجاعاً مع مكانة في الفرس، وجهزهم، وأعطاهم سلاحاً، وحملهم في البحر في ثماني سفن، فغرقت سفينتان، وبقي من بقي وهم ستمائة رجل؛ فأرسلوا إلى ساحل عدن، فلما ارسوا قال وهرز لسيف: ما عندك، فقد جئنا بلادك؟ فقال: ما شئت من رجل عربي وفرس عربي، ثم اجعل رجلي مع رجلك حتى نموت جميعاً أو نظهر جميعاً.

قال وهرز: أنصفت. فاستجلب سيف من استطاع من اليمن، ثم زحفوا إلى مسروق بن أبرهة، وقد سمع بهم مسروق وبتعبيتهم، فجمع إليه جنده من الحبشة، وسار إليهم، والتقى العسكران، وجعلت أمداد اليمن تثوب إلى سيف، وبعث وهرز ابناً له كان معه على جريدة خيل، فقال: ناوشوهم القتال، حتى ننظر قتالهم، فناوشهم ابنه، وناوشوه شيئاً من قتال، ثم تورط ابنه في هلكة لم يستطع التخلص منها؛ فاشتملوا عليه فقتلوه، فازداد وهرز عليهم حنقاً. وسيء العرب، وفرحت الحبشة، فأظهروا الصليب، فوتر وهرز قوسه، ... وأنقلبت المعركة وهزمت الحبشة وأمتلك الفرس على اليمن.

(*)كتاب الأغاني  لأبو الفرج الأصفهاني باب كسرى يعين سيفاً بجيش يقوده وهرز.

هذه المعركة كانت بعد واقعة الفيل التي جرت بين الحبشة وقريش وكانت تلك المعركة نهاية الحبشة في اليمن لكن فيها دلالة على أن الأحباش قبل الإسلام كانوا يتخذون الصليب علما وراية لهم في معاركهم.

ويضيف الطبري ويشير إلى مقبرة وهرز التي كانت ديرا باليمن فيقول : فلما حضرت وهرز الوفاة ـ و ذلك في آخر ملك أنوشروان ـ دعا بقوسه و نشابته ، ثم قال : أجلسوني ، فأجلسوه ، فرمى وقال: انظروا حيث وقعت نشابتي فاجعلوا ناؤوسي هناك ، فوقعت نشابته من وراء الدير ، وهي الكنيسة التي عند نعم ، وهي تسمى اليوم مقبرة وهرز.

(*) تاريخ الطبري باب ذكر مولد رسول الله صلعم.

وهنا يضيف لنا الطبري عن وجود أديرة باليمن في العصر الذي سبق ظهور محمد. كانت تلك لمحة عن موقع الصليب عند نصرانية الحبشة ؛ أين نصارى الحبشة الذين مدحهم محمد وقال أن عيونهم تفيض بالدموع عند سماعهم لقرآنه؟

وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا ... وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (المائدة : 82-83)

        عن ابن عباس قال نزلت الآية في النجاشي وأصحابه الذين حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن بكوا حتى أخضلوا لحاهم وهذا القول فيه نظر "غلط" لأن هذه الآية مدنية وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة وقال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما نزلت في وفد بعثهم النجاشي إلى النبي صلعم ليسمعوا كلامه ويروا صفاته فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه قال السدي فهاجر النجاشي فمات بالطريق وهذا من إفراد " لم يقله غيره" السدي فإن النجاشي مات وهو ملك الحبشة وصلى عليه النبي صلعم يوم مات وأخبر به أصحابه وأخبر أنه مات بأرض الحبشة ثم اختلف في عدة هذا الوفد فقيل اثنا عشر : سبعة قساوسة وخمسة رهبان وقيل بالعكس وقيل خمسون وقيل بضع وستون وقيل سبعون رجلا فالله أعلم . وقال عطاء بن أبي رباح هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين وقال قتادة : هم قوم كانوا على دين عيسى ابن مريم فلما رأوا المسلمين وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا واختار ابن جرير أن هذه الآيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة سواء كانوا من الحبشة أو غيرها.

       (*) تفسير أبن كثير

من هم النصارى الذين رقت قلوبهم للقرآن وآياته فغرقوا في دموعهم؟ هل هم نصارى الحبشة الذين يؤمنون بصلب المسيح ويتخذوا الصليب لهم علما وراية أم نصارى كانوا على دين عيسى الذي لم أجد له أثرا فسمعوا القرآن فبكوا حنانا ورقة أم هو النجاشي أم وفد النجاشي أم السبع قساوسة وخمسة رهبان أم سبعة رهبان وخمس قساوسة أم خمسون أم بضع وستون أم سبعون نصرانيا ؛ من هم أين أجد أثرهم؟ أما أبن جرير فطمس كل الأحاديث وقال هم صفة نصارى سواء كانوا من الحبشة أم غيرها. هل من وسط كل هذا التخبط والحيرة أستطيع أن أعرف من هم وأين هم وما كتاب هؤلاء النصارى الذين آمنوا بالقرآن ورقت قلوبهم له؟ النتيجة الوحيدة التي خرجت بها أن عقل المنطقة وقع ضحية لفكر هذه الأمة الأمية البدوية التي خرجت من جزيرة العرب وأغلقت أفواه المفكرين وكل من يعمل عقله !

أين هم النصارى الذين لا خوف عليهم ولهم أجرهم وأنهم يتوحدون مع محمد في نفس الإله ونفس المعتقد بتكفير كل من يقول بصلب المسيح ويؤمنون بصلب شبيه المسيح؟

«نصرانية البحرين»

قال الأبشيهي في المستطرف : حكي أن غلماناً من أهل البحرين خرجوا يلعبون بالصوالجة وأسقف البحرين قاعد، فوقعت الأكرة على صدره، فأخذها، فجعلوا يطلبونها منه فأبى، فقال غلام منهم: سألتك بحق محمد صلعم إلا رددتها علينا، فأبى لعنه الله وسب رسول الله صلعم، فأقبلوا عليه بصوالجهم، فما زالوا يخبطونه حتى مات لعنة الله عليه، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله تعالى عنه فوالله ما فرح بفتح ولا غنيمة كفرحته بقتل الغلمان لذلك الأسقف، وقال: الآن عز الإسلام إن أطفالا صغاراً شتم نبيهم فغضبوا له وانتصروا وأهدر دم الأسقف، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(*) المستطرف للأبشيهي باب الفصل الثاني فيما جاء في الترخيص في المزاح والبسط والتنعم.

كان الجارود نصرانيا وهو أحد أفراد وفد عبد القيس " وفد البحرين " الذي زار النبي صلعم. ولقد نزح القرشيون من مال البحرين كجزية من اليهود والنصارى والمجوس ما لا عد له ولا إحصاء وهذا ما أشار إليه أبن سعد في طبقاته فقال : قال أخبرنا يزيد بن هارون ... عن أبي هريرة أنه قدم على عمر من البحرين قال أبو هريرة فلقيته في صلاة العشاء الآخرة فسلمت عليه فسألني عن الناس ثم قال لي ماذا جئت به؟ قلت جئت بخمسمائة ألف درهم ؛ قال هل تدري ما تقول ؛ قلت جئت بخمسمائة ألف درهم ؛ قال ماذا تقول؟ قال قلت مائة ألف مائة ألف مائة ألف مائة ألف مائة ألف حتى عددت خمسا ؛ قال إنك ناعس ؛ فارجع إلى أهلك فنم فإذا أصبحت فأتني ؛ فقال أبو هريرة فغدوت إليه ؛ فقال ماذا جئت به؟ قلت جئت بخمسمائة ألف درهم ؛ قال عمر أطيب؟ قلت نعم لا أعلم إلا ذلك ؛ فقال للناس إنه قد قدم علينا مال كثير ؛ فإن شئتم أن نعد لكم عددا وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا.

(*) الطبقات الكبرى لـ أبن سعد باب ذكر استخلاف عمر رحمه الله.

لقد فقد عمر بن الخطاب عقله وصوابه عندما سمع بمال البحرين حتى أنه شك أن أبي هريرة تارة فاقد العقل وتارة شك بأنه لا يدري ما يقول وتارة بأنه ناعس وتارة مريض ؛ تلك هى الجزية التي قالوا أن تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فكانت تنزح من البلاد المجاورة لتصب في جيوب القرشيين نعمة الدين التجارة ؛ ومن عجائب الزمان أن أهل البحرين الذين أذلهم القرشيون وأنتهبوا ثرواتهم ؛ هم أنفسهم الذين هدموا قدسية حجر القريشيين المقدس الحجر الأسود ومصدر رزقهم ؛ فمن البحرين خرج القرامطة في العام 317 هـ وأقتلعو الحجر الأسود يمين الله وغيبوه عن الكعبة أكثر من عشرين عاما بل وبالت خيولهم داخل الكعبة وقتلوا كثيرا من الحجاج داخل الكعبة والقوهم في بئر زمزم وقالوا وهم يسخرون من القرشيين أين طير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل‏؟‏ والكثير ممن ذكره أبن كثير في البداية والنهاية.

خلاصة القول أن البحرين كان فيها وجودا نصرانيا قويا فكان لها أسقف وربما أساقفة ؛ لكن هل توحد نصارى البحرين مع محمد وقرآنه في نفس الإله ونفس المعتقد من صلب الشبيه وتكفير من يقول بصلب المسيح؟ بكل تأكيد لا ... لأنه لو وجد بينهم من يقول بمثل قول محمد لكانت أخبار نصرانيتها طبقت وملأت كل كتب التاريخ الإسلامي وكتب المفسرين.

 «نصرانية اليمامة» 

قال أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي ... قال محمد بن سعد وأخبرنا علي بن محمد القرشي عن من سمى من رجاله قالوا قدم وفد بني حنيفة على رسول الله صلعم بضعة عشر رجلا فيهم رحال بن عنفوة وسلمى بن حنظلة السحيمي وطلق بن علي بن قيس وحمران بن جابر من بني شمر وعلي بن سنان والأقعس بن مسلمة وزيد بن عبد عمرو ومسيلمة بن حبيب وعلى الوفد سلمى بن حنظلة فأنزلوا دار رملة بنت الحارث وأجريت عليهم ضيافة فكانوا يؤتون بغداء وعشاء مرة خبزا ولحما ومرة خبزا ولبنا ومرة خبزا وسمنا ومرة تمرا نثر لهم فأتوا رسول الله صلعم في المسجد فسلموا عليه وشهدوا شهادة الحق وخلفوا مسيلمة في رحلهم وأقاموا أياما يختلفون إلى رسول الله صلعم وكان رحال بن عنفوة يتعلم القرآن من أبي بن كعب فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أمر لهم رسول الله صلعم بجوائزهم خمس أواق كل رجل فقالوا يا رسول الله إنا خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يبصرها لنا وفي ركابنا يحفظها علينا فأمر له رسول الله صلعم بمثل ما أمر به لأصحابه وقال ليس بشركم مكانا لحفظه ركابكم ورحالكم فقيل ذلك لمسيلمة فقال عرف أن الأمر إلي من بعده ورجعوا إلى اليمامة وأعطاهم رسول الله صلعم إداوة من ماء فيها فضل طهور فقال إذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم وأنضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوا مكانها مسجدا ففعلوا وصارت الإداوة عند الأقعس بن مسلمة وصار المؤذن طلق بن علي فأذن فسمعه راهب البيعة فقال كلمة حق ودعوة حق وهرب فكان آخر العهد به وأدعى مسيلمة لعنه الله النبوة وشهد له الرجال بن عنفوة أن رسول الله صلعم أشركه في الأمر فافتتن الناس به.

(*)الطبقات الكبرى لـ أبن سعد باب ذكر وفادات العرب على رسول الله صلعم وفد حنيفة.

للحدث عدة دلالات منها أن بني حنيفة الساكنين في اليمامة كانت تتفشى فيهم النصرانية وكانت لهم بيعة ولهم راهب وربما رهبان وأديرة وأيضا هم من إرتدوا بعد موت محمد وأعمل فيهم خالد سيفه وكان فيهم مسيلمة الذي كان يعبد الرحمن قبل محمد. أما قول محمد بعد أن أعطاهم الماء الذي غسل به قدميه ويديه و ... أكسروا كنيستكم أو بيعتكم وطهروها من النجس بفضل ماء غسيل محمد ؛ أليس هذا من الأسباب التي تدفع كثير من المسلمين بالإعتداء على الكنائس والبيع ودور العبادة لغير المسلمين؟ اليس هى من الإسباب التي دعت عمر يضع في شروطه العمرية بمنع إظهار الصليب على الكنائس والبيع؟ اليس هذه الواقعة وغيرها هي التي دفعت عمر بن عبد العزيز يهدم البيع ؟ لكن تطل على رأسي تلك الآية : وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 40)

ترى لو كانت بيعة اليمامة تتفق مع محمد في نفس الإله ونفس المعتقد هل كان سيأمر بهدمها؟ ويذكر جواد طاهر على في تاريخ العرب قبل الإسلام أن المنقبين عثروا في اليمامة على كنيسة منحوتة في الصخر.

«نصرانية الشام»

لقد كانت النصرانية في الشام سائدة ولا تحتاج إلى دليل حيث أعتنق الآرميين من السريان والآشوريين والفنيقيين وغيرهم من الرومان الديانة النصرانية في عصورها الأولى لكن حديثي هنا عن العرب المهاجرة فلقد هاجرت كثيرا من القبائل العربية من جزيرة العرب بأتجاه الشمال تجاه الشام في القرون الأولي للمسيحية قبل الإسلام فمن القبائل العربية التي دانت بالنصرانية قبل الإسلام وأشهرها غسان في جنوب الشام وتنوخ في الشمال وتغلب في الشرق. وقد دانت بالنصرانية وأقامت عليها أساقفة وكان الأمير الغساني الحارث الثاني بن جبلة أعظم امراء آل جفنة، ولقّبوه " بالبطريق "  قال المسعودي في التنبيه والإشراف غزا رسول الله صلعم تبوك في رجب ... وبين تبوك والمدينة تسعون فرسخاً وذلك مسيرة اثنتي عشرة ليلة وكان معه في هذه الغزاة ثلاثون ألفاً والخيل عشرة آلاف والإبل اثنا عشرين ألف بعير ويسمي جيش العسرة وأن النبي صلعم بعث من هناك خالد بن الوليد المخزومي إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة الجندل " الجوف " فأخذه أسيراً وفتح الله عليه دومة وجاءه وهو بتبوك جاءه أسقف أيلة يحنة " يوحنا" بن روبة فصالحه على أن على كل حالم بها ديناراً في السنة.

(*)التنبيه والإشراف للمسعودي باب غزوة تبوك.

ذكر الواقدي في المغازي قال: حدثني يعقوب بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: رأيت أكيدر حين قدم به خالد وعليه صليب من ذهب وعليه الديباج ظاهر.

(*) المغازي للواقدي باب غزوة أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل في رجب سنة تسع، وهي على عشرة أميال من المدينة.

قال أبن كثير في السيرة النبوية قال الواقدي : وفيها في ذي الحجة منها بعث رسول الله صلعم ستة نفر مصطحبين حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الاسكندرية . وشجاع بن وهب ابن أسد بن جذيمة شهد بدرا إلى الحارث بن أبي شمر الغساني يعني ملك عرب النصارى.

(*) السيرة النبوية لـ أبن كثير باب فصل فيما وقع من الحوادث في سنة ست من الهجرة.

ويطلعنا الواقدي على حجم نصارى العرب الذين تصدوا لخالد بن الوليد عندما هاجم الشام فقال: عندما وصلت جيوش الروم إلى اليرموك نزلوا بدير يقال له دير الجبل وهو بالقرب من الرمادة والجولان وجعلوا بينهم وبين عسكر المسلمين ثلاثة فراسخ طولا وعرضًا فلما تكاملت الجيوش باليرموك أشرفت سوابق الخيل على أصحاب رسول الله صلعم وكان جبلة بن الأيهم في المقدمة في ستين ألف فارس من العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام.

(*) فتوح الشام للواقدي باب ضرار بن الأزور رضى الله عنه.

60000 فارس من العرب النصارى تصدوا لخالد أبن الوليد في غزوه للشام وفي موقعة اليرموك يدل على حجم النصرانية العربية في الشام في بداية غزو الإسلام للدول المجاورة ؛ كما يورد الواقدي حوارا بين خالد بن الوليد وجبلة قائد نصارى العرب ونرى من حوار خالد مدى إهانته للصليب:

قال الواقدي‏:‏ فزاد غضب جبلة من كلام خالد وقال له‏:‏

ستعلم أن كلامك عليك ميشوم إذا دارت بك الأسنة وبقيت أنت ومن معك طعامًا للوحوش في هذه الفلاة تمزقكم بكرة وعشيًا فقال له خالد‏:‏ ذلك لا يكثر علينا وهو سهل لدينا‏. فأنت من العرب التي قد نسبت لعبادة الصليب فقال‏ جبلة:‏

أنا سيد بني غسان ومن ملوك همدان أنا ملك غسان وتاجها أنا جبلة بن الأيهم فقال خالد‏:‏

أنت المرتد عن دين الإسلام ومن اختار الضلالة على الهدى وسلك سبيل الغي وضل وغوى فقال جبلة‏:‏

لست كذلك أنا الذي اخترت العز على الذل والهوان ...

(*) فتوح الشام باب ضرار بن الأزور رضى الله عنه.

من الحوار نرى مدى ترديد خالد لمقولات محمد من أن النصارى يعبدون الصنم أو الوثن وهو الصليب أما من الناحية الأخرى فقول جبلة بن الأيهم يدل على إعتزازه بالنصرانية ويطلعنا الواقدي في فتوح الشام باب " قال الواقدي نسبت تلك السرية لثلاث " بأن شعار الغساسنة في الحرب كان يدل على إعتزازهم بالصليب فكانوا يرددون الشعار القائل " نحن بنو غسان من حزب الصليب والرهبان‏ "

يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدات أديرة لا عد لها ولا حصر تحت باب دير حتى أن الإنسان يستطيع أن يجزم أنه لم توجد مدينة في الشام إلا وكان فيها ديرا للنصارى نذكر منها:

ديرُ صَلِيبا: بنواحي دمشق مقابل باب الفراديس ويعرف بدير خالد أيضاً لأن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما نزل محاصراً لدمشق كان نزوله به، وفيه يقول أبو الفتح محمد بن علي المعروف بأبي اللقاء:

جنةَ لقـبـت بـدير صـلـيبـا      مبدعاً حسنه كـمـالا وطـيبَـا

لست أنسى ما مـر فـيه ولا أج       علُ مدحي إلا لـدير صـلـيبـا

إن إطلاق أسم الصليب على الدير هو دلالة على أن نصارى عرب الشام قبل الإسلام كانوا يسمون رهبانهم وأبنائهم بإسم الصليب فلا يمكن أن يكون صليب الخائن أو صليب الشبيه فمن المحال أن يسمي مسلم أبنه لبيد أبن الأعصم أو أبي لهب فإن دل على شئ فهو يدل على إعزاز عرب ما قبل محمد للصليب.

ديرُ بصرَى: بضم أوله وسكون الصاد المهملة وبه كان بحيرا الراهب الذي بشر بالنبي صلعم وقصته مشهورة، وحكى المازني أنه قال دخلت دير بصرى فرأيتُ في رهبانه فصاحة وهم عرب متنصرة من بني الصادر وهم أفصح من رأيت.

وهنا أوضح لنا ياقوت الحموي أن من بين عشرات الأديرة التي كانت بالشام كان أحد أديرتها يسمى بأسم الصليب. وأن بصرى الشام كان بها أديرة منها دير بحيرا وكان رهبانه أفصح العرب !. أين هم النصارى الذين توحدوا مع محمد في نفس الإله ونفس الموقف من الصليب والصلب ؛ بحثت فما وجدت أحدا ينكر صلب المسيح ؛ هل وجد أحدا ولو نصراني واحد قال كما قال محمد وقرآنه؟ في كل كتب التاريخ الإسلامي والتفاسير والأحاديث لم أجد ؛ هل يستطيع شيوخنا وعلماؤنا أن يدلوني على واحدا في الشام أو غير الشام قال بمثل ما قال محمد؟ ستهربون إلى كتب التاريخ النصرانية لتأتوا بفرقة ضالة ولا تأخذوا بموقف إجماع النصارى وبراهينهم وأدلتهم التي تدحض فكر تلك الفرقة الضالة.

قال أبن سعد في الطبقات الكبرى:

  قال أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال قدم على رسول الله صلعم وفد بني تغلب ستة عشر رجلا مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب " صلبان من ذهب" فنزلوا دار رملة بنت الحارث فصالح رسول الله صلعم النصارى على أن يقرهم على دينهم على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية وأجاز المسلمين منهم بجوائزهم.

(*) الطبقات الكبرى لـ أبن سعد باب ذكر وفادات العرب على رسول الله صلعم وفد تغلب.

ولمعرف تغلب كقبيلة من العرب يجب أن نعرف أنه قيل لو أبطأ الإسلام ، لسادت تغلب العرب فمساكن تغلب اليمامة، ولكن علقمة بن سيف التغلبي نزح بأكثر تغلب وأنزلهم الجزيرة الفراتية، وبقيت بقية تغلب في مساكنهم في اليمامة فتغلب تمتد نزوحا إلى الشام شمالا وإلى اليمامة جذورا. لكن من وضعهم لصلبان الذهب في أعناقهم وفرض الجزية عليهم له دلالته أنهم كانوا نصارى يعظمون الصليب ويجلوه فأين هم النصارى الذين مدحهم النبي ثم أنقلب عليهم فليس من المعقول أن يكون عباد الصليب أو الوثن كما يدعوهم محمد وكل من جاء بعده ويقبل محمد عبادتهم للوثن مقابل أن يدفعوا الرشوة لمحمد!

ولقد أستمر بني تغلب على نصرانيتهم بعد الإسلام وإستمر خلفاء محمد بمحاولات إقتلاع نصرانيتهم بالنهج الذي رسمه لهم محمد.

حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن هانئ، حدثنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن زياد ابن جرير الأسدي، قال: قال عليّ: لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة ولأسبين الذرية، فإني كتبت الكتاب بين النبي صلعم وبينهم على أنهم لا ينصروا أبناءهم.

(*) الحلية لأبي نعيم باب زياد بن جرير الأسلمي.

لقد توعد عليّ أبن أبي طالب بأن لو طال به الزمان لقتل رجال بني تغلب وسبى ذريتهم لا لشئ إلا لأنهم أستمروا على نصرانيتهم وكانوا يعمدون أبنائهم أو ينصرونهم وموقف عليّ كرم الله وجهه هو من باب إحترام الإسلام للديانات السماوية وخاصة النصارى منهم!.

أما  "بكر بن وائل" فكانت قبيلة كبيرة تماثل تغلب في القوة وكانت على النصرانية وكانت ساكنة في جزيرة الشام وإليها نسبت ديار بكر. وقبيلة بكر بن وائل ومعها بني عجل خاضوا مع الفرس معركة أليس ضد خالد بن الوليد وذبح منهم سبعين ألف وأجرى نهرا بدمائهم وفاء لنذره لله.

«نصرانية غزة»

قال أخبرنا زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبي عبد الله الأيلي قال جاء اسقف غزة الى النبي صلعم بتبوك فقال يا رسول الله هلك عندي هاشم وعبدالشمس وهما تاجران وهذه اموالهما قال فدعا النبي صلعم عباسا فقالا قسم مال هاشم على كبراء بني هاشم ودعا أبا سفيان بن حرب فقال اقسم مال عبد الشمس على كبراء ولد عبد الشمس.

(*) الطبقات الكبرى لـ أبن سعد باب الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار.

نعم كان لغزة أسقف وربما أساقفة على عهد النبي وبالتأكيد قبله وبعده ؛ فيذكر الواقدي في فتوح الشام باب إقبال الجند أن هرقل عندما سمع يمهاجمة العرب للملكته جرد ثمانية آلاف من أشجع فرسانه وأمر عليهم خمسة من بطارقتهم وهم البطاليق وأخوه جرجيس وصاحب شرطته ولوقا بن سمعان وصليب بن حنا صاحب غزة وكانت هذه الخمس البطارقة يضرب بهم المثل في الشجاعة والبراعة ثم تدرعوا وأظهروا زينتهم وصلت عليهم الأمة صلاة النصر‏ ... واستنصروا بالصليب.‏

وهنا كانت غزة نصرانية ولها أساقفة وكان أسم الصليب من الأسماء التي تسموا بها وأتخذوها لهم الصليب علما وراية.

نعم إن ما توصلت إليه في بحثي أن النصرانية كانت تتجذر في العرب في مواطنهم أو في دار هجرتهم وكذلك كانت النصرانية منتشرة في كل الدول والممالك المحيطة بجزيرة العرب ومنها بلاد الروم والحبشة ومصر وكلها كانت تعظم الصليب ولم أجد فيها أثرا لأي جماعة تقول بصلب الشبيه وتنكر صلب المسيح وتكفر من يقول به وتتوحد مع محمد في نفس الإله ؛ وهنا سأورد قول الجاحظ في رسائله رغم معرفتي بالجهل والغباء المفطور عليه الكثير من شيوخنا وعلمائنا والجبن والنفاق المفطور عليه كتابنا ومثقفينا فسينهالون سبا وتكفيرا للجاحظ لا أن يفندوا ما قاله ؛ لكنني أقول لهم جميعا إن كلام الجاحظ في هذا الصدد ليس حديث دين أو عقيدة ولا يحل فيه حراما أو يحرم فيه حلالا ؛ وليس حديثا ينتصر فيه لأهل البيت على السنة والجماعة ؛ أو يقلل من قدر الصحابة أو يعلي الشيعة على السنة ؛ بل هو حديث تاريخ وبحث وهو المجال الذي تضيق به عمائم شيوخنا ويحتاج عقلا لاتقيده عمامة أو عقال ؛ نعم حديث لا يثقل بالدولارات جيوب مثقفينا وكتابنا فهم عنه لاهون ؛ ولا يحشد جماهير غوغائنا لفضائياتنا المتاجرة بدماء شعوبنا ؛ فالكل ينفر منه ؛ لكن ماذا قال الجاحظ في رسائله:

أن الإسلام جاء وملوك العرب رجلان‏:‏ غساني ولخمي وهما نصرانيان وقد كانت العرب تدين لهما وتؤدي الإتاوة لهما فكان تعظيم قلوبهم لهما راجعاً إلى تعظيم دينهما‏.‏

وكانت تهامة وإن كانت لقاحاً لا تدين الدين ولا تؤدي الإتاوة ولا تدين للملوك فإنها كانت لا تمتنع من تعظيم ما عظم الناس " أي النصرانية " وتصغير ما صغروا‏.‏

ونصرانية النعمان وملوك غسان مشهورة في العرب معروفة عند أهل النسب ولولا ذلك لدللت عليها بالأشعار المعروفة والأخبار الصحيحة‏.‏

وقد كانت " قريش "  تتجر إلى الشام وينفذ رجالها إلى ملوك الروم ولها رحلة في الشتاء والصيف في تجارة مرة إلى الحبشة ومرة قبل الشام ومرة بيثرب ومصيفها بالطائف ... وذلك مشهور مذكور في القرآن وعند أهل المعرفة‏.‏

وقد كانت تهاجر إلى الحبشة وتأتي باب النجاشي وافدة فيحبوهم بالجزيل ويعرف لهم الأقدار ولم تكن تعرف كسرى ولا تأنس بهم‏.‏

وقيصر والنجاشي نصرانيان فكان ذلك أيضاً للنصارى دون اليهود‏.‏

ويقول الجاحظ : أن العرب كانت النصرانية فيها فاشية وعليها غالبة إلا مضر " قبيلة محمد" فلم تغلب عليها يهودية ولا مجوسية ولم تفش فيها النصرانية إلا ما كان من قوم منهم نزلوا الحيرة يسمون‏:‏ العباد فإنهم كانوا نصارى وهم مغمورون مع نبذ يسير في بعض القبائل‏.‏

ولم تعرف مضر إلا دين العرب ثم الإسلام‏.‏

وغلبت النصرانية على ملوك العرب وقبائلها‏:‏ على لخم وغسان والحارث بن كعب بنجران وقضاعة وطي في قبائل كثيرة وأحياء معروفة‏.‏

ثم ظهرت في ربيعة فغلبت على تغلب وعبد القيس وأفناء بكر ثم في آل ذي الجدين خاصة‏.‏

فعطف قلوب دهماء العرب على النصارى الملك الذي كان فيهم والقرابة التي كانت لهم‏.‏

(*) رسائل الجاحظ باب  فصل من صدر كتابه في الرد على النصارى.

نعم لقد أجمل الجاحظ وهو من هو وأتفق مع كل ما توصلت إليه في بحثي وذكرت موقولته لأخرس به ألسنة المضللين والذين سيتهمونني كذبا بالهوى أو بالكيد والحقد على الإسلام تلك التهمة التي ما نجى منها باحث نزيه فالبحث كلمة خارج قاموس شيوخنا وديننا فنحن أمة النقل لا العقل.

 

 

 

 

 

 

 

 

   الصراع على خشبة الصليب ونفاق محمد

لقد كان لخشبة الصليب منزلة عظيمة في قلوب النصارى على مر العصور وقبل ظهور الإسلام بردح طويل من الزمن يعود حتى إلى أيام حواريّ المسيح ؛ ووصل الأمر في الصراع على خشبة الصليب أشده بين مملكتي الروم والفرس ؛ فكان الفرس في هجومهم على مملكة الروم يهدفون أساسا إلى أنتزاع خشبة صليب المسيح ؛ وكانت جيوش الروم تسير للهجوم على مملكة فارس لأسترداد خشبة الصليب ؛ وعندما كان الروم يستردون خشبة الصليب ؛ تعم الفرحة العارمة مملكة الروم التي تدين بالنصرانية ؛ وكانت الفرحة أيضا تعم عرب الجاهلية المتحالفين مع مملكة الروم ؛ ولم يختلف الأمر في الإسلام ؛ وهذا لم يثر فقط عجبي بل فجيعتي ؛ فتساءلت كيف يفرح النبي والمسلمون بأسترداد خشبة الصليب ؛ وكيف يفروحون لفرح الكفار الروم ؛ أليس الكفر ملة واحدة؟ ومن الجدير بالذكر والذي سآتي عليه لاحقا أن محمدا قال أن الصليب وثن أي صنم وسيدخل به النصارى النار وسيكون رايتهم إليها بل وتطاول البعض وقرنه بالقازورات وفرج المرأة ؛ فكيف يفرح محمد والمؤمنون بأسترداد الصنم وعودته للنصارى الكفار الذين يجلّون ويعظمون الصنم؟ نعم لقد كانت صدمة قاسية ولم أسترد أنفاسي من صدمتي حتى طرأ على رأسي سؤال ؛ أجابته تحتاج نفاقا أكثر وكأن النفاق أصبح هو كل ما ورثناه عن النبي ؛ والسؤال ما هو موقفنا نحن المسلمون من النصارى؟ أن حديث كل شيوخنا بدون أستثناء يقولون في العلن أن النصارى هم أهل كتاب وحلال لنا الزواج من نساء أهل الكتاب وهم الأقرب مودة ونحن مأمورون بالمجادلة معهم بالحسنى وأن نقسط إليهم ونبرهم ونحن نحب ونحترم سيدنا عيسى المسيح ؛ أما المخفي فالنصارى كفار عباد الصليب يحل لنا نهب وسلب أموالهم وإغتصاب نسائهم وكتب الله عليهم الذلة والمسكنة فوجب إذلالهم ؛ نعم كله مباح ؛ هل هناك نفاق أكثر من ذلك وحتى لا يتهمني أحد بالتجني سأورد ما جاءت به كتب التاريخ وكتب المفسرين وكتب الأحاديث وحتى القرآن.

يقول أبن الأثير : يقول المؤرخون المسلمون أن الروم خلعوا ملكهم موريق بعد أربع عشرة سنة من ملك أبرويز وقتلوه وملكوا عليهم بطريقاً اسمه فوقاس، فأباد ذرية موريق سوى ابن له هرب إلى كسرى أبرويز، فأرسل معه العساكر وتوجه وملكه على الروم وجعل على عساكره ثلاثة نفر من قواده وأساورته، وأما أحدهم فكان يقال له بوران، وجهه في جيش منها إلى الشام، فدخلها حتى انتهى إلى البيت المقدس فأخذ خشبة الصليب التي تزعم النصارى أن المسيح، عليه السلام، صلب عليها فأرسلها إلى كسرى أبرويز، وأما القائد الثاني فكان يقال له شاهين، فسيره في جيش آخر إلى مصر، فافتتحها وأرسل مفاتيح الإسكندرية إلى أبرويز، وأما القائد الثالث، وهو أعظمهم، فكان يقال له فرخان، وتدعى مرتبته شهربراز، وجعل مرجع القائدين الأولين إليه، وكانت والدته منجبة لا تلد إلا نجيباً، فأحضرها أبرويز وقال لها: إني أريد أن أوجه جيشاً إلى الروم استعمل عليه بعض بنيك فأشيري علي أيهم أستعمل. فقالت: أما فلان فأروغ من ثعلب وأحذر من صقر، وأما فرخان فهو أنفذ من سنان، وأما شهربراز فهو أحلم من كذا. فقال: قد استعملت الحليم، فولاه أمر الجيش، فسار إلى الروم فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع أشجارهم وسار في بلادهم إلى القسطنطينية حتى نزل على خليجها القريب منها ينهب ويغير ويخرب، فلم يخضع لابن موريق أحد ولا أطاعه، غير أن الروم قتلوا فوقاس لفساده وملكوا عليهم بعده هرقل، وهو الذي أخذ المسلمون الشام منه.

(*) الكامل في التاريخ لأبن الأثير. تاريخ الطبري باب ذكر ملك كسرى أبرويز بن هرمز. المنتظم في التاريخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الجزء الثاني باب ذكر الحوادث التي كانت في سنة خمس وعشرين من مولده صلعم.

وهنا يشير كل هؤلاء المؤرخون أن كسرى أبرويز بن هرمز كان قد أحتمى بملك الروم قبل أن يملك على الفرس ويشير الطبري أن في سنة اثنتين وثلاثين من مولد النبي صلعم خلع الروم ملكهم موريق ولجاء أبن موريق إلى كسرى أبرويز فأرسل معه جيش وأقامه ملكا على الروم وأخذ صليب المسيح إلى فارس. ثم طالب ملك الروم من كسرى أبرويز أن يرد له خشبة صليب المسيح لكن كسرى رفض.

فيقول الطبري في تاريخه أن شيرويه وأسمه قباذ أنقلب على أبيه كسرى أبرويز  وسجنه في دار مارسفند وأرسل له رسالة يعدد فيها مثالب أبيه كسرى وأخطائه فيقول الطبري: ومنها إساءتك كانت بمن خلدت السجون منذ دهر ، حتى شقوا بشدة الفقر وضيق المعاش والغربة عن بلادهم وأهاليهم وأولادهم. ومنها سوء نظرك في استخلاصك كان لنفسك من النساء وتركك العطف عليهن بمودة منك والصرف لهن إلى معاشرة من كن يرزقن منه الولد والنسل ، وحبسك إياهن قبلك مكرهات. ومنها ما أتيت إلى رعيتك عامة في اجتبائك إياهم الخراج ، وما انتهكت منهم في غلظتك وفظاظتك عليهم. ومنها جمعك الأموال التي اجتبيتها من الناس في عنف شديد ، واستفاد منك إياهم ، وإدخالك البلاء والمضار عليهم فيه. ومنها تجميرك من جمرت في ثغور الروم و غيرهم من الجنود ، وتفريقك بينهم وبين أهاليهم . وفيها غدرك بموريق ، ملك الروم ،وكفرك إنعامه عليك فيما كان من إيوائه إياك ، وحسن بلائه عندك ، ودفعه عنك شر عدوك ، وتنويهه باسمك في تزويجه إياك أكرم النساء من بناته عليه ، وآثرهن عنده ، واستخفافك بحقه ، وتركك إطلابه ما طلب إليك من رد خشبة الصليب ، التي لم تكن بك ولا بأهل بلادك إليها حاجة.

(*) تاريخ الطبري باب ذكر ملك شيرويه بن أبرويز. الكامل في التاريخ لأبن الأثير.

 

ثم يواصل الطبري الأحداث فيذكر بنت كسرى التي تدعى بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان والتي تولت بعد شهريراز أنها كانت على خلق وصححت مثالب أبيها فردت خشبة الصليب لأصحابها فيقول الطبري: ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان ، فذكر أنها قالت يوم ملكت : البر أنوى وبالعدل آمر ، وصيرت مرتبة شهر براز لفسفروخ ، وقلدته وزارتها ، وأحسنت السيرة في رعيتها ، وبسطت العدل فيهم ، وأمرت بضرب الورق وردم القناطر والجسور ، ووضعت بقايا بقيت من الخراج على الناس عنهم ، وكتبت إلى الناس عامة كتباً أعلمتهم ما هي عليه من الإحسان إليهم ، وذكرت حال من هلك من أهل بيته المملكة ، وأنها ترجو أن يريهم الله من الرفاهة والاستقامة بمكانها ما يعرفون به أنه ليس ببطش الرجال تدوخ البلاد ، ولا ببأسهم تستباح العساكر ، ولا بمكايدهم ينال الظفر وتطفأ النوائر ، ولكن كل ذلك يكون بالله عز وجل ، وأمرتهم بالطاعة وحضتهم على المناصحة ، وكانت كتبها جماعة لكل ما يحتاج إليه ، وإنها ردت خشبة الصليب على ملك الروم مع جاثليق يقال له إيشوعهب . وكان ملكها سنة وأربعة أشهر .

(*) تاريخ الطبري باب ذكر ملك بوران بنت كسرى أبرويز

هذه كل الأخبار الواردة عن الصراع بين مملكتي فارس والروم على خشبة الصليب في فترة محمد لكنها كانت مقدمة ومدخلا ضروريا لبيان صدمتي ليس فقط من أن صليب المسيح كان موجودا بين يدي النصارى والفرس حتى في عصر النبي بل كانت صدمتي كيف يفرح النبي والمسلمون بنصر الروم على الفرس وأستردادهم خشبة الصليب ؛ أليس الكفر ملة واحدة؟ كيف يفرح النبي بعودة الصليب للنصارى حتى لو كانوا أهل كتاب فإذا كان القرآن يقول بضلالتهم في الإيمان بصلب المسيح وأحاديث النبي تقول بأن الصليب وثن وصنم بل وقال بعضهم أن الصليب مثل فرج المرأة والنظر إليه يؤدي إلى العمى وأنه مثل القذر ؛ كيف يفرح النبي والمسلمون بعودة الصليب؟ نعم إنه النفاق المحمدي والذي يحتاج إلى توطئة لفهمه.

« توطئة للنفاق المحمدي »

لم يدخر محمدا وسعا في مغازلة كل الديانات في جزيرة العرب أبتداء بأهل الكتاب وحتى بعابدي الأصنام فقد سلك محمد كل الطرق لكي يجمع حوله العرب كل العرب أو حتى غير العرب بنفاق مفضوح هو أبعد ما يكون عن أسلوب السماء والأنبياء وكلام الله القاطع بل هو أسلوب السياسيين الساعين إلى الملك والسيطرة وكان من بين من غازلهم ونافقهم محمد أهل الكتاب:

عن ابن عباس اول ما نسخ من القران فيما يذكر لنا والله اعلم شأن القبلة فاستقبل صلعم بيت المقدس أي بمكة والمدينة ثم صرفه الله تعالى الى الكعبة .... ان الركعتين اللتين كان يصليهما النبي والمسلمون بالغداة وبالعشى قبل فرض الصلوات الخمس كانتا لبيت المقدس فقد كان يصلي هو واصحابه الى الكعبة ووجوههم الى بيت المقدس فكانوا يصلون بين الركنين اليماني والذي عليه الحجر الاسود لاجل استقبال بيت المقدس

ثم لما قدم المدينة صار يستقبل بيت المقدس ويستدبر الكعبة الى وقت التحويل ....

فلما هاجر امره الله تعالى ان يصلي نحو صخرة بيت المقدس أي يستمر على ذلك ويستدبر الكعبة ثم امره الله باستقبال الكعبة واستدبار بيت المقدس ... وكان امره بمداومة استقبال بيت المقدس ليتالف اهل الكتاب لانه كان ابتداء الأمر يحب ان يتألف اهل الكتاب فيما لم ينه عنه ... قال بعضهم كان صلعم قبل فتح مكة يحب موافقة اهل الكتاب فيما لم ينه عنه وبعد الفتح يحب مخالفتهم لجواز ان يكون ذلك اغلب احواله وقد يؤخذ من ان استدامة استقباله لبيت المقدس كان لتالف اهل الكتاب ...

وحاصل الجواب انه امر بذلك او وفق اليه لانه سيصير الى قوم قبلتهم بيت المقدس ففيه تاليف لهم .

(*) السيرة الحلبية باب تحويل القبلة

في ضعف محمد قبل الهجرة لم يخف الحلبي وغيره من الأئمة أن النبي كان يغازل اليهود وينافقهم حتى أنه صلى إلى قبلتهم أما عندما قويت شوكة محمد ودخل مكة أنقلب عليهم وبعد أن كان يحب موافقتهم أصبح يحب مخالفتهم. ويستمر مسلسل نفاق محمد لليهود وقبلتهم فيقول أبو ذر وغيره من المحدثون:

وعن أبي ذر قال قلت لرسول الله صلعم أيُ مسجد وُضع على وجه الأرض أولاً قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال البيت المقدس وبينهما أربعون سنة، وروي عن أبي بن كعب قال أوحى الله تعالى إلى داود ابنِ لي بيتاً قال يا رب وأين من الأرض قال حيث ترى الملك شاهرأ سيفه فرأى داود ملكاً على الصخرة واقفاً وبيده سيف، وعن الفضيل بن عياض قال لما صُرفت القبلة نحو الكعبة قالت الصخرة إلهي لم أزل قبلة لعبادتك حتى بعثت خير خلقك صرفت قبلتهم عني قال ابشري فإني واضع عليكِ عرشي وحاشر إليكِ خلقي وقاضٍ عليك أمري، وناشر منك عبادي، وقال كعب من زار البيت المقدس شوقأ إليه دخل الجنة ومن صلى فيه ركعتين خرج عن ذنوبه كَيوم ولدَته أمه واعطى قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراَ، ومن تصدق فيه بدرهم كان فداءه من النار ومن صام فيه يوماً واحداً كتبت له براءة من النار، وقال كعب معقِل المؤمنين أيام الدجال البيت المقدس يحاصرهم فيه حتى يأكلوا أوتار قِسِيهم من الجوع فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتاَ من الصخرة فيقولون هذا صوت رجل شبعان فينظرون فإذا عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا رآه الدجال هرب منه فيتلقاه بباب لد فيقتله، وقال أبو مالك القرَظي في كتاب اليهود الذي لم يُغير إن الله تعالى خلق الأرض فنظر إليها وقال أنا واطيء: على بقعتك فشمخت الجبال ُوتواضعت الصخرة فشكرَ الله لها وقال هذا مقامي وموضع ميزاني وجنتي وناري ومحشر خلقي وأنا ديان يوم الدين.

(*) معجم البلدان لـ ياقوت الحموي باب مقدس.

هل رأيتم صخرة بيت المقدس قبلة اليهود والتي مسحها عمر بثوبه فكنس عنها القمامة بردائه وطهرها من الأخباث والأنجاس ، وأقام عندها مسجده المشهور والباقي إلى اليوم. نعم لقد قال عنهم في القرآن ما لم يقله مالك في الخمر فهم بني إسرائيل الذي أنعم الله عليهم وفضلهم على العالمين وفيهم الحكم والنبوة ؛ ثم أنقلب عليهم فضرب رقابهم وخد لهم الأخدود وطمرهم فيه. لم يقف نفاق محمد عند هذا الحد بل تخطاه ونافق عابدي الأحجار وهذا ما قاله عمر:

* حدثنا سعيد بن ابي مريم، اخبرنا محمد بن جعفر، قال اخبرني زيد بن اسلم، عن ابيه، ان عمر بن الخطاب قال للركن اما والله اني لاعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا اني رايت النبي صلعم استلمك ما استلمتك‏.‏ فاستلمه، ثم قال فما لنا وللرمل انما كنا راءينا به المشركين، وقد اهلكهم الله‏.‏ ثم قال شىء صنعه النبي صلعم فلا نحب ان نتركه‏.‏

 (*) صحيح البخاري رقم - 1631  باب الرمل في الحج والعمرة.سنن البيهقي كتاب الحج حديث رقم 9544.

نطق عمر بنفاق محمد وريائه لعابدي الصنم وقصة الغرانيق قصة أخرى لنفاقه والتي يحاول المسلمون عبثا الهروب منها. وهناك العديد من آيات القرآن وأحاديث النبي التي تحمل الموقف ونقيضه من النصارى ؛ لكن ما ذكرته كان لمحة بسيطة لفهم موقف محمد في نفاقه للنصارى وأهل الكتاب وحتى عابدي الصنم ؛ والآن أعود إلى سورة الروم ونفاق محمد:

الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 5 وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 6 (الروم)

لقد وقفت أمام هذه الآيات وكان ليّ فيها أسئلة محددة مهمة ورحت أبحث عن إجابات لها ؛ لماذا حاربت الروم الفرس؟ ما الذي أسترده الروم من يد الفرس وفرحوا به فرحا عظيما؟ لماذا فرح المسلمون بنصر الروم وإستردادهم صليب الصلبوت أليس هو الوثن الأعظم أو الصنم الأعظم؟ لماذا يسمي القرآن أنتصار الروم بأنه نصر الله؟

في الفترة بين سنة 622 وسنة 628 م. أنتصر هرقل وأعيد الصليب المقدس أو صليب الصلبوت إلى موضعه في القدس في موكب حافل عظيم ؛ هذا الصليب الذي كان الفرس قد أخذوه من الروم وفرح مشركي مكة بأنتصار الفرس ؛ ثم أنتصر الروم وأستردوا صليب المسيح وفرح الروم كما المسلمون بهذا النصر ؛ فهل هذا ما أسماه القرآن نصر الله؟ ؛ هل برجوع صليب الصلبوت إلى النصارى الروم يفرح النبي والمسلمون وإله القرآن ويسميه نصر الله؟.

قال أبن كثير في البداية والنهاية يوضح لنا ما هو نصر الله أو صورة من صور نصر الله : يقول أبن كثير أن في واقعة عين جالوت أنتصر قطز على التتار .... فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم، ويستفكّون الأسارى من أيديهم، وجاءت بذلك البشارة ولله الحمد على جبره إياهم بلطفه فجاوبتها دق البشائر من القلعة وفرح المؤمنون بنصر الله فرحاً شديداً، وأيد الله الإسلام وأهله تأييداً وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين وظهر دين الله وهم كارهون‏.‏

فتبادر عند ذلك المسلمون إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب فانتهبوا ما فيها وأحرقوها وألقوا النار فيما حولها فاحترق دور كثيرة إلى النصارى، وملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، وأحرق بعض كنيسة اليعاقبة، وهمت طائفة بنهب اليهود‏.‏

(*) البداية والنهاية لأبن كثير باب واقعة عين جالولت باب سنة ثمان وخمسين وستمائة.

ذكر ابن تغري بردي : فلما هرب نواب التتار حين بلغتهم الكسرة أصبح الناس وتوجهوا إلى دور النصارى ينهبونها ويأخذون ما استطاعوا منها وأخربوا كنيسة اليعاقبة وأحرقوا كنيسة مريم حتى بقيت كومًا وقتلوا منهم جماعة واختفى الباقون‏.‏

(*)النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ابن تغري بردي.

هذا هو نصر الله أو صورة من صور نصر الله التي تفرّح قلوب المسلمين. لكن في سورة الروم ؛ ما هو نصر الله؟ لقد فرح النبي والمسلمون بنصر الروم نصر الله فما الذي أسترده الروم في نصر الله هذا؟   

يقول أبن الجوزي : وأما قيصر وهو هرقل ملك الروم فإنه كان قد ظهر على من كان بأرضه من فارس وأخرجهم منها وانتزع له منهم صليبه الأعظم وكانوا قد استلبوه إياه فخرج من حمص يمشي على قدميه‏.‏

(*)المنتظم في التاريخ أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزي الجزء الثالث باب بعث رسول الله صلعم الرسل.

قال الإمام أبو الفرج في الأغاني : حدثني عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي قال حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا المثني بن زرعة أبو راشد عن محمد بن إسحاق قال حدثني الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن عتبة عن ابن عباس قال حدثني أبو سفيان بن حرب قال : كنا قوماً تجاراً، وكانت الحرب بيننا وبين رسول الله صلعم قد حصرتنا حتى نهكت أموالنا. فلما كانت الهدنة هدنة الحديبية، بيننا وبين رسول الله صلعم خرجت في نفر من قريش إلى الشأم، وكان وجه متجرنا منه غزة، فقدمناها حين ظهر هرقل على من كان بأرضه من الفرس، فأخرجهم منها وانتزع منهم صليبه الأعظم وكانوا قد استلبوه إياه. فلما بلغه ذلك منهم وبلغه أن صليبه قد استنقذ منهم، وكانت حمص منزله، خرج منها يمشي على قدميه شكراً لله حين رد عليه ما رد ليصلي في بيت المقدس تبسط له البسط وتلقى عليها الرياحين.

(*)كتاب الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني باب ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه. البداية والنهاية لأبن كثير. باب كتاب بعث رسول الله صلعم إلى ملوك الآفاق وكتبه إليهم. تاريخ الطبري باب ذكر خروج رسل رسول الله إلى الملوك.

لقد ذكرت بعضا مما قاله المؤرخون بعد أن فشلت أن أجد إجابة عن أسئلتي في كتب المفسرين الذين حاروا وداروا وسطروا العشرات من الصفحات ليطلعونا على مهارة النبي وأبو بكر في المقامرة والرهان ولعب الميسر مع مشركي مكة وراحوا يرغون ويزبدون على أن تلك الحادثة كانت قبل أن ينزل التحريم للمقامرة أو الميسر أما ما عدا ذلك ففضيحة أشد وأقسى فال المفسرون : " غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِى أَدْنَى ٱلأَرْضِ " أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى، وقيل بالجزيرة وهي أدنى أرض الروم من الفرس فغلبوا عليهم وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن عليكم فنزلت  الآية. ويطلعونا على قرأة أخرى تقلب الموضوع رأسا على عقب وتقلب القرآن وتجعله عرضة لقلب معانيه بسبب التشكيل وإختلاف القراآت فقالوا وقرىء «غَلَبَت» بالفتح و «سَيُغْلِبُونَ» بالضم ومعناه أن الروم غلبوا الفرس على ريف الشام والمسلمون سيغلبونهم، وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم. وهنا نجد أن كل شئ أنقلب رأسا على عقب فالعداء في القرأة الحالية هو بين الروم النصارى والفرس الكفار أما في القرأة الثانية فالعداء والحرب بين الروم النصارى والمسلمون! ونصر الله في القرأة الأولى هو نصر الروم وإسترداد الصليب وهى القرأة الحالية أما القرأة الثانية فنصر الله هو نصر المسلمون على الروم النصارى أما قصة المقامران محمد وأبو بكر فممكن أن تضعها في أي قرأة حسب الظرف الذي تتحدث فيه ؛ فالحنفية جازوا العقود الفاسدة في دار الحرب. هل عرفت المآسي والمحن والفخاخ المنصوبة لعقول المسلمين داخل كتب التفاسير؟. هل عرفتم حجم الورطة والتخبط اللتان غرق فيهما كل من حاول أن يفسر القرآن الغامض المبهم؟. هل عرفتم حجم الهول بين قرأة للقرآن وأخرى وكيف يتغير النصر إلى هزيمة والصداقة والمودة إلى عداء وتنقلب كل معاني القرآن بمجرد الأختلاف بين قرأة بضم الغين أو فتحها في كلمة واحدة "غلبت"؟ هل عرفتم حجم الكذب والتلفيق اللازمان للملمة الخروق وتغطية العيوب في قرآننا وأحاديث محدثينا؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

      الصلب والصليب في القرآن

صلب المسيح في القران والحديث وكلام المفسرين أوقعني في حيرة ما بعدها حيرة في قضية من القضايا الجوهرية والتي كان بالأحرى أن يوليها القرآن آيات أكثر قطعية وأكثر وضوحا وجلاء مما هو موجود في القران ؛ حيث أن قضية الصلب والصليب من القضايا الفارقة بين المسيحية والإسلام. أما أقوال المفسرين فكانت أكثر عجبا وغرابة وزادت من حيرتي فلم يتفقوا على موت المسيح أم لا!! ولم يتفقوا على صلب المسيح أم لا!!

أما الذين قالوا بالشبيه فلم يتفقوا على الذي وقع عليه الشبه وراحوا يقولون قصص لم يرتقي سندها إلى النبي ولو ذكرها غيرهم لقالوا أنها من المدسوس أو الضعيف أو المقطوع أو ...   

«هل مات المسيح؟»

وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33 ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ .. 34 (مريم33:19)

إذا كان القرآن كتاب مبين وواضح فالآية قالها المسيح في ميلاده فالترتيب واضح ولادة موت وبعثه حيا لكن لنرى كيف تخبط المفسرون ولفوا وداروا  

يقول الطبري : وقوله : " والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا" يقول : أمنه الله من الشيطان وجنده يوم ولد من أن ينالوا منه ما ينالون ممن يولد عند الولادة , من الطعن فيه , ويوم أموت , من هول المطلع , ويوم أبعث حيا يوم القيامة أن ينالني الفزع الذي ينال الناس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم.

17873 - حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق عمن لا يتهم عن وهب بن منبه  " والسلام علي يوم ولدت ويوم ... " قال : يخبرهم في قصة خبره عن نفسه , أنه لا أب له وأنه سيموت ثم يبعث حيا , يقول الله تبارك وتعالى : " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون"

 (*) جامع البيان للطبري

هذا ما قاله الطبري في تفسيره أما ما قاله الطبري في تاريخ الأمم والملوك فشئ آخر.

حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عمن لا يتهم عن وهب بن منبه اليماني قال : توفي الله عيسى بن مريم ثلاث ساعات من النهار ، حتى رفعه الله إليه.

(*) تاريخ الطبري باب القسم الأول من ذكر الأحداث التي كانت في أيام ملوك الطوائف.

وهنا بدأت صدماتي فالطبري يذكر في تفسيره بأن المسيح سيموت ولكن كم مدة موته ؟ يجيب الإمام الطبري على نفسه في كتابه تاريخ الأمم والملوك بأن المسيح توفى ثلاث ساعات قبل رفعه لكن كيف توفى؟ لا أحد يدري حتى القرآن لا يدري وحتى محمد لا يدري فهل قال باقي المفسرين بمثل ما قال إمام المفسرين هذا ما سنراه.

أما الإمام القرطبي فقال : "يَوْمَ وُلِدْتُ " يعني في الدنيا. وقيل : من همز الشيطان." وَيَوْمَ أَمُوتُ " يعني في القبر" وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا " يعني في الآخرة. لأن له أحواله ثلاثة في الدنيا حيا, وفي القبر ميتا, وفي الآخرة مبعوثا ; فسلم في أحواله كلها وهو قول الكلبي. ثم انقطع كلامه في المهد حتى بلغ مبلغ الغلمان .

قال قتادة : ذكر لنا أن عيسى عليه السلام رأته امرأة يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص في سائر آياته فقالت : طوبى للبطن الذي حملك والثدي الذي أرضعك ; فقال لها عيسى عليه السلام : طوبى لمن تلا كتاب الله تعالى واتبع ما فيه وعمل به .

(*) تفسير القرطبي

هل قال القرطبي أن المسيح مات؟ قال تلميحا خجولا أن المسيح سلم في أحواله كلها في الدنيا وسلم فعل ماضي فمعني ذلك أن المسيح جرت عليه الثلاثة أحوال ولادة وموت وبعث لكنه يشير في مقدمة تفسيره أنه سيبعث يوم القيامة فهل للمسيح بعث مرتين؟ كيف مات المسيح؟

 

أما أبن كثير فقال : وقوله " والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " إثبات منه لعبوديته لله عز وجل وأنه مخلوق من خلق الله يحيا ويمات ويبعث كسائر الخلائق ولكن له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشق ما يكون على العباد صلوات الله وسلامه عليه .

(*) تفسير أبن كثير

من هذه الآيات نجد الترتيب المنطقي والعقلي السلام للسيد المسيح في ميلاده وموته وبعثه حيا ؛ هل مات المسيح قبل الرفع؟ وبرغم وضوح الآية والترتيب المنطقي والعقلاني فالولادة بعدها الموت ثم بعده الرفع أو البعث ... لم يقطع أحدا من المفسرين بموت المسيح بل داروا وحاروا فقال الطبري في تاريخه بأن المسيح توفى ثلاث ساعات أما الباقون فقالوا كلاما لا يرتقي لقطع أو جزم ثم جاءت الآية التالية التي في آل عمران التي تقول بالوفاة قبل الرفع !!!

وفي الآية الثانية التي ذكرت الوفاة فالرفع جاء بعد الوفاة أو بعد أن الله يتوفاه لكن الأمر الغريب برغم أن الآية مهمة وخطيرة ؛ يلف المفسرين ويقولون الوفاة بعد أن ينزل قبل يوم القيامة ويتزوج ويصلي خلف النبي ثم يموت ثم يبعث ؛ أنا لا أعرف لماذا هذا اللف والدوران والتوهان ؟؟ هل في الاية أي دلالة على أن الوفاة بعد نزول عيسى قبل يوم القيامة ؟؟

إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ .. وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .. 55 (آل عمران55:3)

"إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك" قابضك "ورافعك إلي" من الدنيا من غير موت " أين كلمات القرآن التي فهم منها الجلالين تفسيرهما من غير موت؟"  "ومطهرك" مبعدك "من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك" صدقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى "فوق الذين كفروا" بك وهم اليهود يعلونهم بالحجة والسيف "إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون" من أمر الدين.

(*) تفسير الجلالين.

 

أما أبن كثير فقال : اختلف المفسرون في قوله تعالى " إني متوفيك ورافعك إلي " فقال قتادة وغيره : هذا من المقدم والمؤخر تقديره إني رافعك إلي ومتوفيك " يعني بأختصار قلبوا الترتيب " يعني بعد ذلك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إني متوفيك أي مميتك . وقال محمد بن إسحق عمن لا يتهم عن وهب بن منبه قال : توفاه الله ثلاث ساعات من أول النهار حين رفعه إليه قال ابن إسحق : والنصارى يزعمون أن الله توفاه سبع ساعات ثم أحياه قال إسحق بن بشر عن إدريس عن وهب : أماته الله ثلاثة أيام ثم بعثه ثم رفعه قال مطر الوراق : إني متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت وكذا قال ابن جرير توفيه هو رفعه . وقال الأكثرون : المراد بالوفاة ههنا النوم كما قال تعالى " وهو الذي يتوفاكم بالليل " الآية . وقال تعالى " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها " الآية وكان رسول الله صلعم يقول إذا قام من النوم : " الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا " الحديث وقال تعالى : " وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم إلى قوله - وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " والضمير في قوله قبل موته عائد على عيسى عليه السلام أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام. وقال ابن أبي حاتم ... عن الحسن أنه قال في قوله تعالى " إني متوفيك " يعني وفاة المنام رفعه الله في منامه قال الحسن : قال رسول الله صلعم لليهود " إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة " وقوله تعالى " ومطهرك من الذين كفروا " أي برفعي إياك إلى السماء " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " . وهكذا وقع ; فإن المسيح عليه السلام لما رفعه الله إلى السماء تفرقت أصحابه شيعا بعده فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله وآخرون قالوا هو الله وآخرون قالوا هو ثالث ثلاثة .

(*) تفسير أبن كثير .

وتمخض أبن كثير فولد توهانا فذكر عن ابن عباس : إني متوفيك أي مميتك وذكر عن وهب بن منبه قال : توفاه الله ثلاث ساعات وذكر عن إدريس عن وهب : أماته الله ثلاثة أيام وذكر الفكاهة التي قالها مطر الوراق : إني متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت وكذا قال ابن جرير متوفيه هو رفعه . وقال الأكثرون : المراد بالوفاة ههنا النوم. وأشار أبن كثير إلى شئ مهم عندما ذكر تلك العبارة "قال رسول الله صلعم لليهود " إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة" وتلك الإشارة تدل على أن الحوار كان مع اليهود وليس مع النصارى.  

 

أما القرطبي فقال : إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا

قال جماعة من أهل المعاني منهم الضحاك والفراء في قوله تعالى : " إني متوفيك ورافعك إلي " على التقديم والتأخير ... والمعنى : إنى رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء ... وقال الحسن وابن جريج : معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت ; مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته . وقال وهب بن منبه : توفى الله عيسى عليه السلام ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلى السماء . وهذا فيه بعد ; فإنه صح في الأخبار عن النبي صلعم نزوله وقتله الدجال على ما بيناه في كتاب التذكرة , وفي هذا الكتاب حسب ما تقدم , ويأتي . وقال ابن زيد : متوفيك قابضك , ومتوفيك ورافعك واحد ولم يمت بعد . وروى ابن طلحة عن ابن عباس معنى متوفيك مميتك . الربيع بن أنس : وهي وفاة نوم ; قال الله تعالى : " وهو الذي يتوفاكم بالليل " [ الأنعام : 60 ] أي ينيمكم لأن النوم أخو الموت ; كما قال صلعم لما سئل : أفي الجنة نوم ؟ قال : ( لا النوم أخو الموت , والجنة لا موت فيها ) . أخرجه الدارقطني . والصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم كما قال الحسن وابن زيد , وهو اختيار الطبري , وهو الصحيح عن ابن عباس , وقاله الضحاك . قال الضحاك : كانت القصة لما أرادوا قتل عيسى اجتمع الحواريون في غرفة وهم اثنا عشر رجلا فدخل عليهم المسيح من مشكاة الغرفة " طيران يعني؟" فأخبر إبليس جمع اليهود فركب منهم أربعة آلاف رجل فأخذوا باب الغرفة . فقال المسيح للحواريين : أيكم يخرج ويقتل ويكون معي في الجنة ؟ فقال رجل : أنا يا نبي الله ; فألقى إليه مدرعة من صوف وعمامة من صوف " هل كان في الشتاء؟" وناوله عكازه وألقى عليه شبه عيسى , فخرج على اليهود فقتلوه وصلبوه . وأما المسيح فكساه الله الريش وألبسه النور " ريش ونور تأملوا ّ" وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ... عن ابن عباس قال : لما أراد الله تبارك وتعالى أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وهم اثنا عشر رجلا من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال لهم : أما إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي , ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم فقال أنا . فقال عيسى : اجلس .. . ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا. فقال نعم أنت ذاك. فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام. قال : ورفع الله تعالى عيسى من روزنة " فتحة " كانت في البيت إلى السماء. قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبيه فقتلوه ثم صلبوه , وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ; فتفرقوا ثلاث فرق : قالت فرقة : كان فينا الله ما شاء ثم صعد إلى السماء , وهؤلاء اليعقوبية . وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه , وهؤلاء النسطورية . وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه إليه , وهؤلاء المسلمون . فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها , فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلعم فقتلوا ; فأنزل الله تعالى : " فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا " [ الصف : 14 ] أي آمن آباؤهم في زمن عيسى " على عدوهم " بإظهار دينهم على دين الكفار " فأصبحوا ظاهرين " . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلعم: ( والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد ) . وعنه أيضا عن النبي صلعم قال : ( والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما ) ولا ينزل بشرع مبتدإ فينسخ به شريعتنا بل ينزل مجددا لما درس منها متبعا. كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلعم قال : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ). وفي رواية:( فأمكم منكم ). قال ابن أبي ذئب : تدري ما أمكم منكم ؟. قلت : تخبرني. قال : فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلعم. وقد زدنا هذا الباب بيانا في كتاب ( التذكرة ) والحمد لله. و " متوفيك " أصله متوفيك حذفت الضمة استثقالا , وهو خبر إن. " ورافعك " عطف عليه , وكذا " مطهرك " وكذا " وجاعل الذين اتبعوك ". ويجوز " وجاعل الذين " وهو الأصل. وقيل : إن الوقف التام عند قوله : " ومطهرك من الذين كفروا ". قال النحاس : وهو قول حسن .

كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ

أي بالحجة وإقامة البرهان. وقيل بالعز والغلبة. وقال الضحاك ومحمد بن أبان : المراد الحواريون . والله تعالى أعلم .

(*) تفسير القرطبي. الدر المنثور للسيوطي النساء الآيتان 157 - 158

أما صديقي القرطبي فأفاض وخرج علينا بتحفتة الرائعة أن الإسلام فرقة من فرق النصارى وهو مما جعلني أبحث أكثر عن الفرقة الثالثة من فرق النصارى لكن ما تحاشى القرطبي ذكره هو هل مات المسيح أم لا ؟ هل هناك أحدا من هذه الفرق يقول بموت المسيح؟ وكباقي المفسرين ذكر من قال أن المسيح مات ثلاثة ساعات ومن قال توفى من غير موت ومن قال أن الله رفعه من غير نوم ولا وفاة ومن قال سيموت بعد عودته يوم القيامة. هل هناك لغو وتخبط أكثر من ذلك؟ القرآن كتاب مبين هل هذا صدق أم كذب صراح لا صدق فيه؟ لو كان القرآن كتاب مبين ؛ لماذا تخبط كل هؤلاء هذا التخبط والأرتباك أبتداء من أبن عباس ووهب أبن منبه ومرورا بالقرطبي وأبن كثير والطبري و ,,, وأنتهاء بأجهل شيخ في أصغر مسجد!!  

 

أما الإمام الطبري فيقول : اختلف أهل التأويل في معنى الوفاة التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآية , فقال بعضهم : هي وفاة نوم, وكان معنى الكلام على مذهبهم : إني منيمك , ورافعك في نومك. ذكر من قال ذلك : 5620 - حدثني المثنى ...عن الربيع في قوله : " إني متوفيك " قال: يعني وفاة المنام: رفعه الله في منامه. قال الحسن : قال رسول الله لليهود :" إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة ". وقال آخرون: معنى ذلك: إني قابضك من الأرض, فرافعك إلي, قالوا : ومعنى الوفاة : القبض (؟), لما يقال : توفيت من فلان ما لي عليه , بمعنى : قبضته واستوفيته . قالوا : فمعنى قوله : " إني متوفيك ورافعك " أي قابضك من الأرض حيا إلى جواري , وآخذك إلى ما عندي بغير موت , ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك . ذكر من قال ذلك : 5621 - حدثنا علي بن سهل ... عن مطر الوراق في قول الله : " إني متوفيك " قال : متوفيك من الدنيا , وليس بوفاة موت . 5622 - حدثنا الحسن بن يحيى... عن الحسن في قوله : " إني متوفيك " قال : متوفيك من الأرض . 5623 - حدثنا القاسم... عن ابن جريج , قوله : " إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " قال : فرفعه الله إليه , توفيه إياه , وتطهيره من الذين كفروا . 5624 - حدثني المثنى... أن كعب الأحبار , قال : ما كان الله عز وجل ليميت عيسى ابن مريم , إنما بعثه الله داعيا ومبشرا يدعو إليه وحده , فلما رأى عيسى قلة من اتبعه وكثرة من كذبه , شكا ذلك إلى الله عز وجل , فأوحى الله إليه : " إني متوفيك ورافعك إلي " وليس من رفعته عندي ميتا , وإني سأبعثك على الأعور الدجال , فتقتله , ثم تعيش بعد ذلك أربعا وعشرين سنة , ثم أميتك ميتة الحي . قال كعب الأحبار : وذلك يصدق حديث رسول الله صَلَّعم حيث قال : " كيف تهلك أمة أنا في أولها , وعيسى في آخرها ؟ ". 5625 - حدثنا ابن حميد قال ... عن محمد بن جعفر بن الزبير: يا عيسى إني متوفيك: أي قابضك . 5626 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : " إني متوفيك ورافعك إلي " قال : متوفيك : قابضك , قال : ومتوفيك ورافعك واحد . قال : ولم يمت بعد حتى يقتل الدجال , وسيموت , وقرأ قول الله عز وجل : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : رفعه الله إليه قبل أن يكون كهلا , قال : وينزل كهلا . 5627 - حدثنا محمد بن سنان ... عن الحسن في قول الله عز وجل : " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي" الآية كلها , قال : رفعه الله إليه , فهو عنده في السماء . وقال آخرون : معنى ذلك : إني متوفيك وفاة موت. 5628 - حدثني المثنى... عن ابن عباس , قوله : " إني متوفيك" يقول : إني مميتك . 5629 - حدثنا ابن حميد ... عن وهب بن منبه اليماني أنه قال : توفى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه . 5630 - حدثنا ابن حميد ... عن ابن إسحاق , قال : والنصارى يزعمون أنه توفاه سبع ساعات من النهار , ثم أحياه الله . وقال آخرون : معنى ذلك : إذ قال الله يا عيسى , إني رافعك إلي , ومطهرك من الذين كفروا , ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا . وقال : هذا من المقدم الذي معناه التأخير , والمؤخر الذي معناه التقديم . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال : معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إلي , لتواتر الأخبار عن رسول الله صَلَّعم أنه قال : " ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال " ثم يمكث في الأرض مدة ذكرها اختلفت الرواية في مبلغها , ثم يموت , فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه . 5631 - حدثنا ابن حميد ... عن أبي هريرة , قال : سمعت رسول الله صَلَّعم يقول : " ليهبطن الله عيسى ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا , يكسر الصليب , ويقتل الخنزير , ويضع الجزية , ويفيض المال حتى لا يجد من يأخذه , وليسكن الروحاء حاجا أو معتمرا , أو يدين بهما جميعا " . 5632 - حدثنا ابن حميد ... عن أبي هريرة , قال : قال رسول الله صَلَّعم: " الأنبياء إخوة لعلات , أمهاتهم شتى , ودينهم واحد , وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم , لأنه لم يكن بيني وبينه نبي , وإنه خليفتي على أمتي , وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه , فإنه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر كأن شعره يقطر , وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين , يدق الصليب , ويقتل الخنزير , ويفيض المال , ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها , ويهلك الله في زمانه مسيخ الضلالة الكذاب الدجال وتقع في الأرض الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل , والنمر مع البقر , والذئاب مع الغنم , وتلعب الغلمان بالحيات , لا يضر بعضهم بعضا , فيثبت في الأرض أربعين سنة , ثم يتوفى ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه ". قال أبو جعفر : ومعلوم أنه لو كان قد أماته الله عز وجل لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى, فيجمع عليه ميتتين , فتأويل الآية إذا : قال الله لعيسى : يا عيسى إني قابضك من الأرض ورافعك إلي , ومطهرك من الذين كفروا , فجحدوا نبوتك . وهذا الخبر وإن كان مخرجه مخرج خبر , فإن فيه من الله عز وجل احتجاجا على الذين حاجوا رسول الله صَلَّعم في عيسى من وفد نجران , بأن عيسى لم يقتل ولم يصلب كما زعموا , وأنهم واليهود الذين أقروا بذلك وادعوا على عيسى كذبة في دعواهم وزعمهم . كما : 5633 - حدثنا ابن حميد ... عن محمد بن جعفر بن الزبير ثم أخبرهم - يعني الوفد من نجران - ورد عليهم فيما أخبروا هم واليهود بصلبه , كيف رفعه وطهره منهم , فقال : "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي "

(*) جامع البيان في تقسير القران للطبري .

لقد لف الطبري ودار وحار وأرغى وأزبد وأخرج لنا روائع بأن المسيح سينزل ويعيش 24 سنة ومرة 40 سنة ويلف حول الحجر الأسود حاجا ومعتمرا ويموت ويصلي عليه المسلمون ويدفنوه ولكن نسى أن يخبرنا متى سيبعث ليدين العالم ولم يجزم بموت المسيح من عدمه وكيف مات؟ وكل هذا يدل على أن القرآن كتاب غير مبين وغير واضح وإلا لماذا تخبطوا كل هذا التخبط؟

 

أما الجلالين فقالا : مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي(فعل ماضي) كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 (المائدة5: 117-118)

"ما قلت لهم إلا ما أمرتني به" وهو "أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا" رقيبا أمنعهم مما يقولون "ما دمت فيهم فلما توفيتني" قبضتني بالرفع إلى السماء "كنت أنت الرقيب عليهم" الحفيظ لأعمالهم "وأنت على كل شيء" من قولي لهم وقولهم بعدي وغير ذلك "شهيد" مطلع عالم به

(*) تفسير الجلالين

 

قال الطبري : مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

القول في تأويل قوله تعالى : " فلما توفيتني " يقول : فلما قبضتني إليك " كنت أنت الرقيب عليهم } يقول : كنت أنت الحفيظ عليهم دوني ... 10149 - حدثني محمد بن الحسين ... عن السدي : " كنت أنت الرقيب عليهم " أما الرقيب : فهو الحفيظ .... 10152 - حدثنا ابن وكيع ... عن ميسرة , قال : قال الله تعالى :" يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ؟ قال : فأرعدت مفاصله , وخشي أن يكون قد قالها ,

 (*) جامع البيان للطبري.

 

قال القرطبي : فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ قيل : هذا يدل على أن الله عز وجل توفاه قبل أن يرفعه ; وليس بشيء ; لأن الأخبار تظاهرت برفعه, وأنه في السماء حي, وأنه ينزل ويقتل الدجال - على ما يأتي بيانه - وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء. قال الحسن : الوفاة في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أوجه : وفاة الموت وذلك قوله تعالى : " الله يتوفى الأنفس حين موتها " [ الزمر : 42 ] يعني وقت انقضاء أجلها , ووفاة النوم ; قال الله تعالى : " وهو الذي يتوفاكم بالليل " [ الأنعام : 60 ] يعني الذي ينيمكم , ووفاة الرفع , قال الله تعالى : " يا عيسى إني متوفيك " [ آل عمران : 55 ] .

(*) تفسير القرطبي.

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

" فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد " قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة قال انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان فأملى علي سفيان وأنا معه فلما قام انتسخت من سفيان فحدثنا قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلعم بموعظة فقال " يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال " يعني إلى النار " فأقول " أصحابي" فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" ورواه البخاري عند هذه الآية عن أبي الوليد وعن شعبة وعن محمد بن كثير عن سفيان الثوري كلاهما عن المغيرة بن النعمان به .

(*) تفسير ابن كثير

ما معنى كلمة متوفيك ؟ كل هذا الكم من اللغو من أجل أن أعرف معنى كلمة متوفيك! ثلاثة آيات تحدثت عن موت المسيح مرة بلفظ أموت ومرتين بلفظ توفيتني ولفظ متوفيك فماذا قال المفسرون في معنى الوفاة؟  أحتاروا حيرة مخجلة ولم يتفقوا لماذا؟ قالوا هو النوم !! ذكرت الوفاة في القرآن أكثر من عشرين مرة بمعنى الموت ومرتين بمعنى النوم فلماذا أخذوا بالشذوذ وتركوا القاعدة؟  لكن الأغرب لماذا القران المبين يكني بدل الوفاة بالنوم في موقف دقيق ومهم جدا يفرق بين من قال بصلب المسيح أن كان الصلب حدث فهم مؤمنون أما إذا كان الصلب لم يحدث فهم كفار لماذا تركنا الله في هذه الحيرة ؟؟؟ سألوا النبي آلاف المرات عن الحيض والبول والغائط والنكاح وغيره من تفاهات وسفاسف الأمور ؛ لماذا لم يسألوه عن معنى الوفاة وما الذي حدث بالتدقيق عن وفاة المسيح؟ نعم لو أقر المفسرون بموت المسيح سيكون هناك أسئلة تثير لديهم تخبطا أكثر ؛ وهى متى مات؟ وكيف مات؟ وأين دفن؟ وما جريمة قتله؟ ولماذا مات؟ ومتى صعد أو رفع؟

وأخيرا جاء هذا الحديث:

حدثنا ابو اليمان، قال اخبرنا شعيب، عن الزهري، اخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ان عائشة، وعبد الله بن عباس، قالا لما نزل برسول الله صلعم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فاذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك ‏"‏ لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد ‏"‏‏.‏

(*) صحيح البخاري كتاب الصلاة باب باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب. صحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب باب النهى عن بناء المساجد، على القبور واتخاذ الصور فيها والنهى عن اتخاذ القبور مساجد.

من هم أنبياء النصارى حسب القراءة الإسلامية من قرآن وسنة؟ أليس عيسى المسيح هو نبي النصارى؟ هل هناك قبر يتخذه النصارى دون أن يكون المسيح دفن وقبر فيه؟ هل كان محمد يشير إلى كنيسة القيامة أو كما يطلق المسلمون عليها كنيسة قمامة؟ هل كان محمد غلبه الوجع وبدأ يهزي أو يخرّف كما قال عمر؟

أليس كل ما أوردت هى قرائن على موت المسيح ولا يملك من قالوا بنومه أي قرائن أكثر وأوثق من تلك القرائن؟

«هل صلب المسيح؟»

وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ الله وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ .... وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا 157 بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ ...  وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ(موت من؟) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا 159 (النساء155-159)

لقد تعبت من المفسرين ولغوهم فقلت دعني كما القرآنين يكفيني نص القرآن فوجدت هولا وسيلا لا ينقطع من التساؤلات:

" قَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ " من هم الأنبياء الذين قتلهم اليهود؟ لماذا هذه الآية يقرنها القرآن في حادثة صلب المسيح من عدمه؟ً

" قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ... رَسُولَ الله " هل آمن اليهود أن عيسى رسول الله؟ متى؟

" وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ " شبه لهم ماذا؟ هل كان الصلب حلما وتخيلا ولم يحدث واقعا؟ هل شبه لهم قتل رجل آخر؟ من هو؟ هل شبه لهم بعد صلبه وموته أنه كباقي البشر إلى التراب لكن المسيح رفع حيا ولم يمت موت البشر ؟ هل شبه لهم صلب اللاهوت لكنهم صلبوا الناسوت؟

" وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ " من هم الذين إختلفوا فيه؟ هل هو خلاف بين اليهود والنصارى؟ هل هو خلاف بين النصارى وفرقهم؟ هل هو إختلاف بين اليهود والطائفة من بني إسرائيل التي آمنت به؟

" بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ " متى رفع المسيح؟ من هم الشهود؟ هل هم الحواريين الذين شهدوا بصلبه؟ أصدق نصف شهادتهم القائلة بالرفع وأكذبهم في النصف الآخر الذي شهدوا فيه بالصلب؟

" إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ " موت من؟ ومتى؟ هل قبل موت المؤمن أم قبل موت المسيح؟ وأسئلة لا حصر لها ولا عد فالنص القرآني متشابه مبهم متزيبق كما قال نصر حامد أبو زيد في كتابه نقد الخطاب الديني حيث قال أن القرآن أفتقد للنص القاطع فلم يكن قاطعا كما التوراة والإنجيل. فقلت كلام القرآنيين هو هروب فاشل للتخلص من مخازي الأحاديث وكتب المفسرين وخرافاتهم لكنهم وقعوا فيما هو أسوء وهو النص القرآني المتشابه والغامض ؛ فقررت العودة إلى كلام المفسرين لعل وعسى.  

يقول القرطبي : " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ" رد لقولهم . " وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ " أي ألقي شبهه على غيره كما تقدم في " آل عمران " . وقيل : لم يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكون فيه ; "وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ " والإخبار قيل : إنه عن جميعهم . وقيل : إنه لم يختلف فيه إلا عوامهم ; ومعنى اختلافهم قول بعضهم إنه إله , وبعضهم هو ابن الله . قاله الحسن : وقيل اختلافهم أن عوامهم قالوا قتلنا عيسى . وقال من عاين رفعه إلى السماء : ما قتلناه . وقيل : اختلافهم أن النسطورية من النصارى قالوا : صلب عيسى من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته . وقالت الملكانية : وقع الصلب والقتل على المسيح بكماله ناسوته ولاهوته . وقيل : اختلافهم هو أنهم قالوا : إن كان هذا صاحبنا فأين عيسى ؟ ! وإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ؟ ! وقيل : اختلافهم هو أن اليهود قالوا : نحن قتلناه ; لأن يهوذا رأس اليهود هو الذي سعى في قتله . وقالت طائفة من النصارى : بل قتلناه نحن . وقالت طائفة منهم : بل رفعه الله إلى السماء ونحن ننظر إليه.

(*) تفسير القرطبي.

وهنا الإمام القرطبي يفتتح تفسيره بالقول بأن شبه المسيح ألقي على أخر لكن من هو؟ أحالنا على سورة آل عمران التي قال فيها أن الله القى الشبه على أحد تلاميذ المسيح؟ ثم يعبر القرطبي عن حيرته فيكرر كلمة قيل وقيل وقيل ... وإن دل ذلك على شئ يدل على حيرته وإرتباكه أمام نص القرآن الغامض المبهم وإذا كان الإمام القرطبي إحتار كل تلك الحيرة أين أذهب أنا؟

ثم نأتي على أبن كثير لعل وعسى فيقول أبن كثير : سعى اليهود إلى ملك دمشق في ذلك الزمان وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب وكان يقال لأهل ملته اليونان وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه فغضب الملك من هذا وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه ويكف أذاه عن الناس فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس ذلك وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر وقال سبعة عشر نفرا وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت فحصروه هنالك . فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم قال لأصحابه أيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب لذلك شاب منهم فكأنه استصغره عن ذلك فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب فقال : أنت هو وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو وفتحت روزنة من سقف البيت وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم فرفع إلى السماء وهو كذلك كما قال الله تعالى " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " الآية فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه . وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت ويقال إنه خاطبها والله أعلم وهذا كله من امتحان الله عباده لما له في ذلك من الحكمة البالغة " ما هى الحكمة يا أبن كثير؟ "...  وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم أي رأوا شبهه فظنوه إياه ولهذا قال " وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " يعني بذلك من ادعى أنه قتله من اليهود ومن سلمه إليهم من جهال النصارى كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر ولهذا قال : وما قتلوه يقينا أي وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين .

(*) تفسير أبن كثير.

ثم يأتي أبن كثير ويزيد الطينة بلة فيضيف على ما قاله القرطبي بأن الذي صلب شبه المسيح وهو من تلاميذ المسيح وأن الله هو الذي ألقى شبه عيسى على هذا الشخص ويقول أن التلاميذ أو الحواريين شاهدوا رفع المسيح .أما الباقون من النصارى بكل طوائفهم على حد تعبير أبن كثير فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت ويقال إنه خاطبها والله أعلم وهذا كله من امتحان الله عباده لما له في ذلك من الحكمة البالغة. تلعثم أبن كثير وأقر بعدم إستيعاب فكرة الشبيه وكيف يتحدث الشبيه مع أم المسيح ولا تعرفه فقال الله أعلم لكن ما الحكمة من هذا الخداع الرباني والكذب الإلهي لم يعرفها أبن كثير فقال أن ذلك أمتحان للعباد وله حكمة بالغة لكن ما هى الحكمة لا تسأل؟؟؟

أما الجلالين قالا : "وقولهم" مفتخرين "إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله" في زعمهم أي بمجموع ذلك عذبناهم قال . تعالى تكذيبا لهم في قتله "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" المقتول والمصلوب وهو صاحبهم بعيسى أي ألقى الله عليه شبهه فظنوه إياه "وإن الذين اختلفوا فيه" أي في عيسى "لفي شك منه" من قتله حيث قال بعضهم لما رأوا المقتول الوجه وجه عيسى والجسد ليس بجسده فليس به وقال آخرون : بل هو هو "ما لهم به" بقتله "من علم إلا اتباع الظن" استثناء منقطع أي لكن يتبعون فيه الظن الذي تخيلوه "وما قتلوه يقينا" حال مؤكدة لنفي القتل

(*) تفسير الجلالين .

يضيف الجلالين أن المصلوب هو صاحب اليهود وليس من حواري المسيح.

أما البغوي في معالم التنزيل يقول : أن الله تعالى ألقى شبه عيسى عليه السلام على الذي دل اليهود عليه وقيل أنهم حبسوا عيسى عليه السلام في بيت وجعلوا عليه رقيبا فألقى الله شبه عيسى عليه السلام على الرقيب فقتلوه وقيل غير ذلك كما ذكرنا في سورة آل عمران.

(*) معالم التنزيل للبغوي.

أما أبن عباس في تفسيره قال : " وبكفرهم " بعيسى والإنجيل " وقولهم" وبقولهم " على مريم بهتانا عظيما" وهى الفرية جعلناهم خنازير " وقولهم" وبقولهم " إنا قتلنا المسيح عيسى أبن مريم رسول الله " أهلك الله صاحبهم تطيانوس " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " ألقى شبه عيسى على تطيانوس فقتلوه بدل عيسى " وإن الذين أختلفوا فيه " في قتله.

(*) تفسير أبن عباس.

وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " روي أن رهطا من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم : اللهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني اللهم ألعن من سبني وسب والدتي فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير. فأجتمعت اليهود على قتله فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود فقال لأصحابه : أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل منهم : أنا فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب وقيل كان رجل ينافق عيسى فلما أرادوا قتله قال : أنا أدلكم عليه فدخل بيت عيسى وألقى الله شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى.

(*) مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي. الكشاف للزمخشري.

قالوا أن عيسى لعن اليهود فحكموا عليه بالصلب ! تأملوا النكتة أو المزحة ؛ هل هناك في شريعة موسى حكما بالقتل على من لعن؟ هل صلبوا المسيح لأنه لعنهم أم لأنه جدف وجعل نفسه الله أو أبن الله أي مسامي ومعادل نفسه بالله؟ ثم يتخبط العالمان الجليلان فيمن ألقي عليه الشبه فتارة قالا أن تلميذا مخلصا من حواري المسيح هو الذي القي عليه الشبه وتارة قالا أن تلميذا منافقا من حوارييه هو الذي ألقى عليه الشبه!

 

أما الطبري فأطال إلى درجة الملل فقال: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ

يعني : وما قتلوا عيسى وما صلبوه , ولكن شبه لهم. واختلف أهل التأويل في صفة التشبيه الذي شبه لليهود في أمر عيسى فقال بعضهم : لما أحاطت اليهود به وبأصحابه أحاطوا بهم وهم لا يثبتون معرفة عيسى بعينه وذلك أنهم جميعا حولوا في صورة عيسى فأشكل على الذين كانوا يريدون قتل عيسى عيسى من غيره منهم وخرج إليهم بعض من كان في البيت مع عيسى فقتلوه وهم يحسبونه عيسى. ذكر من قال ذلك : 8484 - حدثنا ابن حميد قال : ... عن وهب ابن منبه , قال : أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت , وأحاطوا بهم فلما دخلوا عليهم صورهم الله كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم : سحرتمونا ! لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا ! فقال عيسى لأصحابه : من يشتري نفسه منكم اليوم بالجنة ؟ فقال رجل منهم : أنا فخرج إليهم فقال : أنا عيسى! وقد صوره الله على صورة عيسى فأخذوه فقتلوه وصلبوه. فمن ثم شبه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى , وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى ورفع الله عيسى من يومه ذلك. وقد روي عن وهب بن منبه غير هذا القول وهو : 8485 - حدثني به المثنى قال.... أنه سمع وهبا يقول : إن عيسى ابن مريم لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا جزع من الموت وشق عليه " خاف وجبن تأمل " فدعا الحواريين وصنع لهم طعاما فقال : احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة ! فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه فتعاظموا ذلك وتكارهوه فقال : ألا من رد علي شيئا الليلة مما أصنع فليس مني ولا أنا منه ! فأقروه حتى إذا فرغ من ذلك قال : أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي فليكن لكم بي أسوة فإنكم ترون أني خيركم فلا يتعظم بعضكم على بعض وليبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي لكم. " ما معنى بذلت نفسي؟ متى وكيف وأين؟ " وأما حاجتي التي استعنتكم عليها فتدعون لي الله وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي! فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء فجعل يوقظهم ويقول : سبحان الله أما تصبرون لي ليلة واحدة تعينوني فيها ؟ قالوا : والله ما ندري ما لنا لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمرا وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه ! فقال : يذهب بالراعي وتتفرق الغنم . وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعى به نفسه , ثم قال : الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني! فخرجوا وتفرقوا. وكانت اليهود تطلبه فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا : هذا من أصحابه فجحد وقال : ما أنا بصاحبه فتركوه. ثم أخذه آخرون فجحد كذلك ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه. فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود , فقال : ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه وكان شبه عليهم قبل ذلك فأخذوه فاستوثقوا منه وربطوه بالحبل فجعلوا يقودونه ويقولون له : أنت كنت تحيي الموتى وتنتهر الشيطان وتبرئ المجنون؟ أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله إليه وصلبوا ما شبه لهم , فمكث سبعا. ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان حيث كان المصلوب فجاءهما عيسى فقال : علام تبكيان ؟ قالتا عليك فقال : إني قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير وإن هذا شيء شبه لهم فأمرا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا ! فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر وفقد الذي كان باعه ودل عليه اليهود فسأل عنه أصحابه فقالوا : إنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل نفسه. فقال : لو تاب لتاب الله عليه ! ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له : يحنا فقال : هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدث بلغة قوم فلينذرهم وليدعهم. وقال آخرون : بل سأل عيسى من كان معه في البيت أن يلقى على بعضهم شبهه فانتدب لذلك رجل فألقي عليه شبهه فقتل ذلك الرجل ورفع عيسى ابن مريم عليه السلام. ذكر من قال ذلك : 8486 - حدثنا بشر بن معاذ ... عن قتادة قوله :" إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ... وكان الله عزيزا حكيما " أولئك أعداء الله اليهود ائتمروا بقتل عيسى ابن مريم رسول الله وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه. وذكر لنا أن نبي الله عيسى ابن مريم قال لأصحابه : أيكم يقذف عليه شبهي فإنه مقتول ؟ فقال رجل من أصحابه : أنا يا نبي الله. فقتل ذلك الرجل ومنع الله نبيه ورفعه إليه. حدثنا الحسن بن يحيى ... عن قتادة في قوله : "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" قال : ألقي شبهه على رجل من الحواريين فقتل وكان عيسى ابن مريم عرض ذلك عليهم فقال : أيكم ألقي شبهي عليه له الجنة ؟ فقال رجل : علي. 8487 - حدثنا محمد بن الحسين ... عن السدي : أن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلا من الحواريين في بيت فقال عيسى لأصحابه : من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة ؟ فأخذها رجل منهم. وصعد بعيسى إلى السماء , فلما خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر فأخبروهم أن عيسى عليه السلام قد صعد به إلى السماء فجعلوا يعدون القوم فيجدونهم ينقصون رجلا من العدة ويرون صورة عيسى فيهم فشكوا فيه. وعلى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى وصلبوه فذلك قول الله تبارك وتعالى : "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم .. وكان الله عزيزا حكيما". 8488 - حدثني المثنى ... عن القاسم بن أبي بزة فقال مثل السدي. 8489 - حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : كان اسم ملك بني إسرائيل الذي بعث إلى عيسى ليقتله رجلا منهم يقال له : داود فلما أجمعوا لذلك منه لم يفظع عبد من عباد الله بالموت فيما ذكر لي فظعه ولم يجزع منه جزعه ولم يدع الله في صرفه عنه دعاءه ; حتى إنه ليقول فيما يزعمون : اللهم إن كنت صارفا هذه الكأس عن أحد من خلقك فاصرفها عني ! وحتى إن جلده من كرب ذلك ليتفصد دما. فدخل المدخل الذي أجمعوا أن يدخل عليه فيه ليقتلوه هو وأصحابه وهم ثلاثة عشر بعيسى فلما أيقن أنهم داخلون عليه قال لأصحابه من الحواريين وكانوا اثني عشر رجلا : بطرس ويعقوب بن زبدي ويحنس أخو يعقوب وأندراوس وفيلبس وأبرثلما ومتى وتوماس ويعقوب بن حلقيا وتداوس وفتاتيا ويودس زكريا يوطا . قال ابن حميد ... قال ابن إسحاق : وكان فيهم فيما ذكر لي رجل اسمه سرجس فكانوا ثلاثة عشر رجلا سوى عيسى جحدته النصارى وذلك أنه هو الذي شبه لليهود مكان عيسى . قال : فلا أدري ما هو من هؤلاء الاثني عشر أم كانوا ثلاثة عشر فجحدوه حين أقروا لليهود بصلب عيسى وكفروا بما جاء به محمد صلعم من الخبر عنه. فإن كانوا ثلاثة عشر فإنهم دخلوا المدخل حين دخلوا وهم بعيسى أربعة عشر وإن كان اثني عشر فإنهم دخلوا المدخل حين دخلوا وهم بعيسى ثلاثة عشر. حدثنا ابن حميد ... حدثنا رجل كان نصرانيا فأسلم أن عيسى حين جاءه من الله "إني رافعك إليّ " قال : يا معشر الحواريين : أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة حتى يشبه للقوم في صورتي فيقتلوه مكاني؟ فقال سرجس : أنا يا روح الله ! قال : فاجلس في مجلسي. فجلس فيه ورفع عيسى صلوات الله عليه فدخلوا عليه فأخذوه فصلبوه فكان هو الذي صلبوه وشبه لهم به. وكانت عدتهم حين دخلوا مع عيسى معلومة ... وكانوا لا يعرفون عيسى حتى جعلوا ليودس زكريا يوطا ثلاثين درهما على أن يدلهم عليه ويعرفهم إياه فقال لهم : إذا دخلتم عليه فإني سأقبله وهو الذي أقبل فخذوه ! فلما دخلوا عليه وقد رفع عيسى رأى سرجس في صورة عيسى فلم يشك أنه هو عيسى فأكب عليه فقبله فأخذوه فصلبوه. ثم إن يودس زكريا يوطا ندم على ما صنع فاختنق بحبل حتى قتل نفسه , وهو ملعون في النصارى وقد كان أحد المعدودين من أصحابه. وبعض النصارى يزعم أن يودس زكريا يوطا هو الذي شبه لهم فصلبوه وهو يقول : إني لست بصاحبكم ! أنا الذي دللتكم عليه ! والله أعلم أي ذلك كان. 8490 - حدثنا القاسم ... قال ابن جريج : بلغنا أن عيسى ابن مريم قال لأصحابه : أيكم ينتدب فيلقى عليه شبهي فيقتل؟ فقال رجل من أصحابه : أنا يا نبي الله. فألقي عليه شبهه فقتل ورفع الله نبيه إليه. 8491 - حدثنا محمد بن عمرو ... عن مجاهد في قوله " شبه لهم" قال : صلبوا رجلا غير عيسى يحسبونه إياه. ... قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب أحد القولين اللذين ذكرناهما عن وهب بن منبه , من أن شبه عيسى ألقي على جميع من كان في البيت مع عيسى حين أحيط به وبهم من غير مسألة عيسى إياهم ذلك ولكن ليخزي الله بذلك اليهود وينقذ به نبيه عليه السلام من مكروه ما أرادوا به من القتل ويبتلي به من أراد ابتلاءه من عباده ... أو القول الذي رواه عبد العزيز عنه. وإنما قلنا : ذلك أولى القولين بالصواب لأن الذين شهدوا عيسى من الحواريين لو كانوا في حال ما رفع عيسى وألقي شبهه عليه من ألقي عليه شبهه كانوا قد عاينوا عيسى وهو يرفع من بينهم وأثبتوا الذي ألقي عليه شبهه وعاينوه متحولا في صورته بعد الذي كان به من صورة نفسه بمحضر منهم لم يخف ذلك من أمر عيسى وأمر من ألقي عليه شبهه عليهم مع معاينتهم ذلك كله ولم يلتبس ولم يشكل عليهم وإن أشكل على غيرهم من أعدائهم من اليهود أن المقتول والمصلوب كان غير عيسى , وأن عيسى رفع من بينهم حيا . وكيف يجوز أن يكون قد أشكل ذلك عليهم , وقد سمعوا من عيسى مقالته : من يلقى عليه شبهي ويكون رفيقي في الجنة ؟ إن كان قال لهم ذلك , وسمعوا جواب مجيبه منهم : أنا وعاينوا تحول المجيب في صورة عيسى بعقب جوابه. ولكن ذلك كان إن شاء الله على نحو ما وصف وهب بن منبه, إما أن يكون القوم الذين كانوا مع عيسى في البيت الذي رفع منه من حواريه حولهم الله جميعا في صورة عيسى حين أراد الله رفعه فلم يثبتوا عيسى معرفة بعينه من غيره لتشابه صور جميعهم فقتلت اليهود منهم من قتلت وهم يرونه بصورة عيسى ويحسبونه إياه لأنهم كانوا به عارفين قبل ذلك وظن الذين كانوا في البيت مع عيسى مثل الذي ظنت اليهود, لأنهم لم يميزوا شخص عيسى من شخص غيره لتشابه شخصه وشخص غيره ممن كان معه في البيت فاتفقوا جميعهم - أعني اليهود والنصارى - من أجل ذلك على أن المقتول كان عيسى , ولم يكن به , ولكنه شبه لهم , كما قال الله جل ثناؤه :" وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " أو يكون الأمر في ذلك كان على نحو ما روى عبد الصمد بن معقل , عن وهب بن منبه , أن القوم الذين كانوا مع عيسى في البيت تفرقوا عنه قبل أن يدخل عليه اليهود , وبقي عيسى , وألقي شبهه على بعض أصحابه الذين كانوا معه في البيت بعد ما تفرق القوم غير عيسى وغير الذي ألقي عليه شبهه , ورفع عيسى , فقتل الذي تحول في صورة عيسى من أصحابه , وظن أصحابه واليهود أن الذي قتل وصلب هو عيسى لما رأوا من شبهه به وخفاء أمر عيسى عليهم ; لأن رفعه وتحول المقتول في صورته كان بعد تفرق أصحابه عنه , وقد كانوا سمعوا عيسى من الليل ينعى نفسه ويحزن لما قد ظن أنه نازل به من الموت , فحكوا ما كان عندهم حقا , والأمر عند الله في الحقيقة بخلاف ما حكوا , فلم يستحق الذين حكوا ذلك من حوارييه أن يكونوا كذبة , أو حكوا ما كان حقا عندهم في الظاهر وإن كان الأمر عند الله في الحقيقة بخلاف الذي حكوا .

.......

(*) تفسير الطبري

هل هناك من يزيل عن المسلمين تلك المحنة والبلية والأرتباك عن عقول المسلمين عندما يفكرون؟ هل هناك خبلان أو توهان أكثر من ذلك؟ يقول الطبري أن تلاميذ المسيح واليهود وكل النصارى أيقنوا أن المسيح هو المصلوب لأن المسيح في الليلة السابقة للصلب نعى نفسه. نعم ألقى الطبري الكرة في ملعب الله الغاوي والمضل والمفتن الذي لم يوضح أمر الصلب بل أن الله هو الذي دبر تلك التمثيلية السخيفة التي أضلت كل الحواريين واليهود والنصارى والأسخف أن يأتي النبي القرشي بعد 600 سنة ليقول آية غير واضحة تخبط فيها كل من جاء بعده تخبطا لا مثيل له في أي حدث من أحداث التاريخ. ويقول الطبري أن شبه المسيح القي على كل التلاميذ كلهم وصلبوا أحدهم بدل المسيح ويقول أن أحد تلاميذ المسيح تبرع وأخذ شبه المسيح وصلب بدلا منه وقال القى الشبه على رجل أسمه سرجس وقال الشبه وقع على يودس زكريا يوطا ؛ ماذا أفعل بعقلي الذي منحني الله إياه؟  

قال البيضاوي : وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً

" وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَـٰناً عَظِيماً " يعني نسبتها إلى الزنا." وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله " أي بزعمهم ويحتمل أنهم قالوه استهزاء، ونظيره أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وأن يكون استئنافاً من الله سبحانه وتعالى بمدحه، أو وضعاً للذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح. " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ " روي (أن رهطاً من اليهود سبوه وأمه فدعا عليهم فمسخهم الله تعالى قردة وخنازير، فاجتمعت اليهود على قتله فأخبره الله تعالى بأنه يرفعه إلى السماء، فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة، فقام رجل منهم فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب. وقيل (كان رجلاً ينافقه فخرج ليدل عليه، فألقى الله عليه شبهه فأخذ وصلب وقتل) وقيل: (دخل طيطانوس اليهودي بيتاً كان هو فيه فلم يجده، وألقى الله عليه شبهه فلما خرج ظن أنه عيسى فأخذ وصلب). وأمثال ذلك من الخوارق التي لا تستبعد في زمان النبوة، وإنما ذمهم الله سبحانه وتعالى بما دل عليه الكلام من جراءتهم على الله سبحانه وتعالى، وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات الباهرة، وتبجحهم به لا بقولهم هذا على حسب حسبانهم، و" شُبّهَ "  مسند إلى الجار والمجرور كأنه قيل ولكن وقع لهم التشبيه بين عيسى والمقتول أو في الأمر على قول من قال: لم يقتل أحد ولكن أرجف " إشاعة " بقتله فشاع بين الناس، أو إلى ضمير المقتول لدلالة إنا قتلنا على أن ثم قَتيلاً. " وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ " في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود: إنه كان كاذباً فقتلناه حقاً، وتردد آخرون فقال بعضهم: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا، وقال من سمع منه أن الله سبحانه وتعالى يرفعني إلى السماء: أنه رفع إلى السماء. وقال قوم: صلب الناسوت وصعد اللاهوت. " لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ " لفي تردد، والشك كما يطلق على ما لا يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردد، وعلى ما يقابل العلم ولذلك أكده بقوله " مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنّ " استثناء منقطع أي لكنهم يتبعون الظن، ويجوز أن يفسر الشك بالجهل والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزماً كان أو غيره فيتصل الاستثناء. " وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً " قتلاً يقيناً كما زعموه بقولهم " إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ " ، أو متيقنين. وقيل معناه ما علموه يقيناً.

(*)تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل لـ البيضاوي.

يضيف لنا البيضاوي أحتمالا جديدا بأن المسيح لم يقتل وكذلك الشبيه لم يقتل إنما كان ذلك شائعة سرت بين الناس. لكن بقت آية " وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا " فترى من الذي لديه شك كل الشك؟ النصارى كل النصارى قالوا قولا واحدا بأن المسيح صلب واليهود قالوا قولا واحدا أنهم قتلوا المسيح فمن لديهم الشك في صلب المسيح وليس لهم به من علم؟ أليس هم المسلمون الأميون الجهلة؟ لقد حاروا وداروا وأرتبكوا وقالوا الشئ ونقيضه وتخبطوا ونسبوا إلى الله أنه هو الذي أضل الناس والنصارى والحواريين بالقاء شبه المسيح على شخص آخر لحكمة أو أمتحان أو بلية لا يعرف أحد هدفها وغايتها غير ضلال البشر وإلغاء الفداء والخلاص بل وإلغاء عقيدة النصرانية التي قامت وتأسست على صلب المسيح.   

أما الرازي قفلب الطاولة بالعقل والمنطق على رؤس الجميع فيقول :

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً

يقول الرازي في مسألة الشبه :  أنه إن جاز أن يقال: أن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة، فإنا إذا رأينا زيداً فلعله ليس بزيد، ولكنه ألقى شبه زيد عليه، وعند ذلك لا يبقى النكاح والطلاق والملك، وثوقاً به، وأيضاً يفضي إلى القدح في التواتر لأن خبر التواتر إنما يفيد العلم بشرط انتهائه في الآخرة إلى المحسوس، فإذا جوزنا حصول مثل هذه الشبهة في المحسوسات توجه الطعن في التواتر، وذلك يوجب القدح في جميع الشرائع، وليس لمجيب أن يجيب عنه بأن ذلك مختص بزمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنا نقول: لو صح ما ذكرتم فذاك إنما يعرف بالدليل والبرهان، فمن لم يعلم ذلك الدليل وذلك البرهان وجب أن لا يقطع بشيء من المحسوسات ووجب أن لا يعتمد على شيء من الأخبار المتواترة، وأيضاً ففي زماننا إن انسدت المعجزات فطريق الكرامات مفتوح، وحينئذ يعود الاحتمال المذكور في جميع الأزمنة: وبالجملة ففتح هذا الباب يوجب الطعن في التواتر، والطعن فيه يوجب الطعن في نبوّة جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهذا فرع يوجب الطعن في الأصول فكان مردوداً.

والجواب: اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضع وذكروا وجوهاً:

الأول: قال كثير من المتكلمين: إن اليهود لما قصدوا قتله رفعه الله تعالى إلى السماء فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامهم، فأخذوا إنساناً وقتلوه وصلبوه ولبسوا على الناس أنه المسيح، والناس ما كانوا يعرفون المسيح إلاّ بالاسم لأنه كان قليل المخالطة للناس، وبهذا الطريق زال السؤال. لا يقال: إن النصارى ينقلون عن أسلافهم أنهم شاهدوه مقتولاً، لأنا نقول: إن تواتر النصارى ينتهي إلى أقوام قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب.

والطريق الثاني: أنه تعالى ألقى شبهه على إنسان آخر ثم فيه وجوه: الأول: أن اليهود لما علموا أنه حاضر في البيت الفلاني مع أصحابه أمر يهوذا رأس اليهود رجلاً من أصحابه يقال له طيطايوس أن يدخل على عيسى عليه السلام ويخرجه ليقتله، فلما دخل عليه أخرج الله عيسى عليه السلام من سقف البيت وألقى على ذلك الرجل شبه عيسى فظنوه هو فصلبوه وقتلوه.

الثاني: وكلوا بعيسى رجلاً يحرسه وصعد عيسى عليه السلام في الجبل ورفع إلى السماء، وألقى الله شبهه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول لست بعيسى.

الثالث: أن اليهود لما هموا بأخذه وكان مع عيسى عشرة من أصحابه فقال لهم: من يشتري الجنة بأن يلقى عليه شبهي؟ فقال واحد منهم أنا، فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج وقتل، ورفع الله عيسى عليه السلام.

الرابع: كان رجل يدعي أنه من أصحاب عيسى عليه السلام، وكان منافقاً فذهب إلى اليهود ودلهم عليه، فلما دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله تعالى شبهه عليه فقتل وصلب. وهذه الوجوه متعارضة متدافعة، والله أعلم بحقائق الأمور.

ثم قال تعالى " وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " وفيه مسألتان:

المسأله الأولى:اعلم أن في قوله " وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ " قولين:

القول الأول: أنهم هم النصارى وذلك لأنهم بأسرهم متفقون على أن اليهود قتلوه، إلا أن كبار فرق النصارى ثلاثة: النسطورية، والملكانية، واليعقوبية.

أما النسطورية فقد زعموا أن المسيح صلب من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته،...

وأما الملكانية فقالوا: القتل والصلب وصلا إلى الاهوت بالإحساس والشعور لا بالمباشرة.

وقالت اليعقوبية: القتل واللصلب وقعا بالمسيح الذي هو جوهر متولد من جوهرين، فهذا هو شرح مذاهب النصارى في هذا الباب، وهو المراد من قوله " وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكّ مّنْهُ ". ...

القول الثاني: أن المراد بالذين اختلفوا هم اليهود، وفيه وجهان: الأول: أنهم لما قتلوا الشخص المشبه به كان الشبه قد ألقى على وجهه ولم يلق عليه شبه جسد عيسى عليه السلام، فلما قتلوه ونظروا إلى بدنه قالوا: الوجه وجه عيسى والجسد جسد غيره. الثاني: قال السدي: إن اليهود حبسوا عيسى مع عشرة من الحواريين في بيت، فدخل عليه رجل من اليهود ليخرجه ويقتله، فألقى الله شبه عيسى عليه ورفع إلى السماء، فأخذوا ذلك الرجل وقتلوه على أنه عيسى عليه السلام، ثم قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ فذلك اختلافهم فيه....

(*) تفسير مفاتيح الغيب التفسير الكبير للرازي.

يقول الرازي إن إلقاء شبه المسيح على أخر يفتح المجال لإلغاء كل النبوات ؛ فهل هذا ما كان يريده محمد وكل مفسري الإسلام وشيوخه؟ ثم يتراجع البيضاوي عن كلامه ويعيد ما قاله المفسرون بأن هناك واحد من الأشخاص ألقي عليه الشبه وصلب عوضا عن المسيح ثم يضيف بأن كل النصارى بفرقهم يقولون بصلب المسيح ؛ فأين النصارى الذين مدحهم محمد وتوحد معهم في نفس الإله؟ أين أجدهم؟ هل أنشقت الأرض وأبتلعتهم؟ هل ليس ليّ الحق أن أسأل هذا السؤال؟

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ " قتلتم "  (البقرة 87:2)

قتلتم هو الفعل الأنسب مع الفعل الماضي كذبتم لكن آيات البقرة تنتهي بالحرف "ن" فوجب الحفاظ على الجرس الموسيقي حتى لو أنتقل الخطاب من الماضي إلى الحاضر ربما!

لكنني وقفت أمام هذه الآية أتأملها وأقول أن اليهود كذبوا فريقا من الرسل وفريقا قتلوا وفي الآية ذكر القرآن موسى وعيسى فهل موسى كان مثلا للرسل الذين كذبهم اليهود وعيسى مثلا للرسل الذين قتلهم اليهود ورغم وضوح الآية فقلت الخبر اليقين لدى مفسري القران وأحاديث النبي لعلي أعرف من هم الأنبياء الذين قتلهم اليهود ؛ لكن صدمت مما قاله المفسرون وهذا ما قالوه:

يقول الطبري : يعني جل ثناؤه بقوله: "أفَكُلما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوَى أنْفُسكُمْ " اليهود من بني إسرائيل.

قال أبو جعفر: يقول الله جل ثناؤه لهم: يا معشر يهود بني إسرائيل، لقد آتينا موسى التوراة، وتابعنا من بعده بالرسل إليكم، وآتينا عيسى ابن مريم البينات والحجج إذ بعثناه إلـيكم، وقوّيناه بروح القدس. وأنتـم كلما جاءكم رسول من رسلي بغير الذي تهواه نفوسكم استكبرتم عليهم تجبراً وبغْياً استكبارَ إمامكم إبليس فكذبتم بعضاً منهم، وقتلتم بعضاً، فهذا فعلكم أبداً برسلي. وقوله: " أفَكُلّما " إن كان خرج مخرج التقرير في الخطاب فهو بمعنى الخبر

 (*) تفسير الطبري.

المشهور عن الطبري أن يذكر أحاديث لا حصرة لها لكن في هذا الموضوح الخطير صمت صمت القبور فرحت إلى أبن كثير فماذا قال؟

يقول أبن كثير : قال الزمخشري في قوله تعالى: " فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ " إنما لم يقل وفريقاً قتلتم، لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل أيضاً؛ لأنهم حاولوا قتل النبي صلعم بالسم والسحر، وقد قال عليه السلام في مرض موته: " ما زالت أكلة خيبر تعاودني، فهذا أوان انقطاع أبهري " (قلت): وهذا الحديث في صحيح البخاري وغيره

(*) تفسير أبن كثير

هل أجاب أبن كثير عن القريق من الأنبياء الذين قتلهم اليهود؟ قلت عليّ بالقرطبي

يقول القرطبي : قوله تعالى: " فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ " «ففريقاً» منصوب بـ «كذبتم»، وكذا «وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ» فكان ممن كذبوه عيسى ومحمد عليهما السلام، وممن قتلوه يحيى وزكريا عليهما السلام، على ما يأتي بيانه في «سبحان» إن شاء الله تعالى.

(*)الجامع لأخكام القرآن للقرطبي.

زكريا أصبح نبيا لدى القرطبي وموسى المذكور في الآية لم يذكره القرطبي ؛ هل محمد ذهب إلى بني إسرائيل فكذبوه ؛ متى؟ أين فريق  الأنبياء الذين قتلهم اليهود؟ خرس كل المفسرين الذين كانوا يصولون ويجولون ويطيلون في تفاسيرهم إلى حد الملل ؛ قلت عليّ بكتب الأحاديث التي لا حصر لها فوجدت في البخاري هذا الحديث:

* ‏حدثنا ‏عمر بن حفص‏ ‏حدثنا‏ ‏أبي‏ ‏حدثنا ‏الأعمش‏ ‏قال حدثني‏ ‏شقيق‏ ‏قال قال ‏عبد الله‏ كأني أنظر إلى النبي ‏صلعم‏ ‏يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول ‏ ‏رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

(*)صحيح البخاري كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلعم. صحيح مسلم باب غزوة أحد. مسند احمد من رواية عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود. وكذلك أورده الحافظ ابن عساكر باب في ترجمة نوح عليه السلام من " تاريخ دمشق الكبير.   

من هو هذا النبي الذي يقصده محمد في حديثه؟ حيث أن عبد الله بن مسعود يحكي بأنه يتذكر منظر النبي صلعم وهو يحكي ويقول أن نبيا من الأنبياء ضربه قومه وكان يمسح الدم عن وجهه ويطلب الغفران لقومه من هو؟ هل هو المسيح على الصليب؟ قال ليّ الشيخ أن هذا النبي هو محمد عندما كسروا حلقه أو رباعيته يوم أحد ؛ قلت أن الحديث لا يشير إلى ذلك ؛ فأبن مسعود يتذكر أن هذه قصة قالها النبي صلعم عن أحد الأنبياء السابقين وهذا يخرج بالنبي صلعم من موضوع الحديث ويشير إلى أحد الأنبياء السابقين فربما يكون عيسى المسيح وخاصة أن هناك آية وقرينة في القرآن ترجح هذا الإحتمال وخاصة أن الآية التي يطلب فيها المسيح الغفران لقومه تسبقها آية تحكي عن وفاة المسيح " وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 " (المائدة)

وهنا ثارة ثائرته وقال هذا كفر ؛ قلت عليّ بتفاسير الأحاديث وأميرهم أبن حجر فماذا قال؟

قوله كأني أنظر إلى النبي صلعم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه لم أقف على اسم هذا النبي صريحا ويحتمل أن يكون هو نوح عليه السلام فقد ذكر بن إسحاق في المبتدأ وأخرجه بن أبي حاتم في تفسير الشعراء من طريق بن إسحاق قال حدثني من لا أتهم " ؟؟" عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه "؟؟" أن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه " أين الدم؟ " فإذا أفاق قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون قلت وأن صح ذلك فكأن ذلك كان في ابتداء الأمر ثم لما يئس منهم قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وقد ذكر مسلم بعد تخريج هذا الحديث حديث أنه صلعم قال في قصة أحد كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء ومن ثم قال القرطبي أن النبي صلعم هو الحاكي والمحكي كما سيأتي وأما النووي فقال هذا النبي الذي جرى له ما حكاه النبي صلعم من المتقدمين " السابقين " وقد جرى لنبينا نحو ذلك يوم أحد قوله وهو يمسح الدم عن وجهه يحتمل أن ذلك لما وقع للنبي صلعم ذكر لأصحابه أنه وقع لنبي آخر قبله وذلك فيما وقع له يوم أحد لما شج وجهه وجرى الدم منه فاستحضر في تلك الحالة قصة ذلك النبي الذي كان قبله " من هو؟ " فذكر قصته لأصحابه تطبيبا لقلوبهم وأغرب القرطبي فقال إن النبي صلعم هو الحاكي وهو المحكي عنه قال وكأنه أوحى إليه بذلك قبل وقوع القصة ولم يسم ذلك النبي فلما وقع له ذلك تعين إنه هو المعني بذلك قلت ويعكر عليه أن الترجمة لبني إسرائيل فيتعين الحمل على بعض أنبيائهم. " أي أن أبن حجر يقول للقرطبي كلامك تلفيق " وأقول للقرطبي ألا تخجل يا رجل من آيات الأستغفار : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ 113 " التوبة " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ 5 سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ 6 " المنافقون "

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  80 " التوبة "

هل لم يدري من ينسب هذا الحديث للرسول بكل هذه الآيات؟ لكن هل يحق لمحمد أن يستغفر لمن كسروا حلقه أم لا؟ هل أجابني أحد؟ هل هناك أحد من الشيوخ أو المفسرين أثق فيه؟ ينقلون من الأناجيل في تفسيراتهم ما لم ترد به أي أحاديث وعند موضوع الصلب أو كل ما يشير إليه يلفون ويدورون وربما يخرسون وننتظر أن تنطق الحجارة ويبقوا صامتون قال أبن حجر وكأنه لم يقل شيئا فقال " لم أقف على اسم هذا النبي صريحا ثم قال ويعكر عليه أن الترجمة لبني إسرائيل فيتعين الحمل على بعض أنبيائهم" نفي أبن حجر أن يكون محمد هو المقصود ولكن هل أجاب أبن حجر عن من هو هذا النبي الذي أدموا وجهه وطلب لقومه الغفران؟ ولو أعملت عقلي يكفروني! لكن كان هناك جماعة قالت الصدق والحق في المسيح أصابها ما أصاب من يقولون الصدق ؛ فجاء في رسائل أخوان الصفا:

كان من سنة المسيح التنقل كل يوم من قرية إلى قرية من قرى فلسطين، ومن مدينة إلى مدينة من ديار بني إسرائيل، يداوي الناس، ويعظهم ويذكرهم ويدعوهم إلى ملكوت السماء، ويرغبهم فيها، ويزهدهم في الدنيا، ويبين لهم غرورها وأمانيها، وهو مطلوب من ملك بني إسرائيل وغوغائهم، وبينما هو في محفل من الناس، هجم عليه ليؤخذ، فتجنب من بين الناس، فلا يقدر عليه ولا يعرف له خبر، حتى يسمع بخبره من قرية اخرى، فيطلب هناك، وذلك دأبه ودأبهم ثلاثين شهراً، فلما أراد الله تعالى أن يتوفاه ويرفعه إليه، اجتمع معه حواريوه في بيت المقدس في غرفة واحدة مع أصحابه وقال: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، وأنا أوصيكم بوصية قبل مفارقة ناسوتي، وآخذ عليكم عهداً وميثاقاً، فمن قبل وصيتي وأوفى بعهدي، كان معي غداً ومن لم يقبل وصيتي، فلست منه في شيء، ولا هو مني في شيء، فقالوا له: ما هي؟ قال: اذهبوا إلى ملوك الأطراف وبلغوهم مني ما ألقيت إليكم، وادعوهم إلى ما دعوتكم إليه ولا تخافوهم ولا تهابوهم، فإني إذا فارقت ناسوتي، فإني واقف في الهواء عن يمنة عرش أبي وأبيكم، وأنا معكم حيث ما ذهبتم، ومؤيدكم بالنصر والتأييد بإذن أبي، اذهبوا إليهم، و ادعوهم بالرفق، وداووهم، و أمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ما لم تقتلوا أو تصلبوا أو تنفوا من الأرض، فقالوا: ما تصديق ما تأمرنا؟ قال: أنا أول من يفعل ذلك، وخرج من الغد وظهر للناس، وجعل يدعوهم ويعظهم، حتى اخذ وحمل إلى ملك بني إسرائيل، فأمر بصلبه، فصلب ناسوته، وسمرت يداه على خشبتي الصليب وبقي مصلوباً من ضحوة النهار إلى العصر، وطلب الماء فسقي الخل، وطعن بالحربة، ثم دفن مكان الخشبة، ووكل بالقبر أربعون نفراً، وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه، فلما رأوا ذلك منه أيقنوا وعلموا أنه لم يأمرهم بشيء يخالفهم فيه، ثم اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام في الموضع الذي وعدهم أنه يتراءى لهم فيه، فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم، وفشا الخبر في بني إسرائيل أن المسيح لم يقتل، فنبش القبر فلم يوجد الناسوت، فاختلف الأحزاب من بينهم، وكثر القيل والقال وقصته تطول.

إن أولئك الحواريين الذين قبلوا وصيته، تفرقوا في البلاد، وذهب كل واحد منهم حيث وجه: فواحد ذهب إلى بلاد المغرب، وآخر إلى بلاد الحبشة، واثنان إلى بلاد رومية، واثنان إلى ملك إنطاكية، واثنان أقاما في دير بني إسرائيل يدعون إلى رأي المسيح، حتى قتل أكثرهم وظهرت دعوة المسيح في شرق الأرض وغربها بأفعال الحواريين بعدهم، فتهاونهم بأمر أجسادهم يدل على أنهم كانوا يرون ويعتقدون بقاء النفس وصلاح حالها بعد تلف الأجساد.

من ذلك أفعال الرهبان، والذين هم خيار أصحابه وأتباعه، إن أحدهم يحبس جسده في صومعته سنين كثيرة، ويمتنع عن الطعام والشراب، واللذات، واللباس الناعم، وملاذ الدنيا وشهواتها، كل ذلك لشدة يقينهم ببقاء النفس وصلاح حالها بعد تلف الأجساد.

تأسي بإبراهيم ويوسف عليهما السلام ومما يدل على أن إبراهيم خليل الرحمن كان يرى هذا الرأي قوله:" الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين".

هكذا قول يوسف الصديق:" رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين".

ترى أنهما أرادا اللحوق بالصالحين بجسديهما أو نفسيهما؟ وهل ألحق جسداهما إلا بتراب الأرض التي منها خلقا، وإنما أرادا نفسيهما الزكيتين الشريفتين الروحانيتين والسماويتين النورانيتين، لا جسديهما المؤلفين من اللحم والدم والعظم والعروق والعصب، وما شاكلها من الأخلاط الأربعة.

تأسي بأهل بيت نبينا عليهم السلام ومما يدل على أن أهل بيت نبينا، عليهم السلام، كانوا يرون هذا الرأي.

(*)رسائل أخوان الصفا لأخوان الصفا.

رسائل أخوان الصفا هى عبارة عن 52 رسالة كتبها مجموعة من كبار الأئمة لجماعة دينيةٌ شيعيّة تحض على الفضيلة ؛ ظهرت في النّصف الثاني من القرن الرّابع الهجري وكان مقرها البصرة بالعراق وتستمد تعاليمها من التعاليم والأخبار والأحاديث التي كانت رائجة في القرنين الثاني والثالث للهجرة وهى نفس فترة أكتمال النسخة النهائية للقرآن وبداية تدوين كتب الأحاديث. لماذا لا آخذ برأيهم؟ إنهم قبل القرطبي وأبن كثير والسيوطي بل وسبقوا كثير من كتاب الأحاديث والسيرة النبوية وهم الأقرب تاريخيا لعصر النبوة والصحابة والتابعين وهم الأقرب إلي ذلك العصر جغرافيا لكن هوى السياسة يفرض علينا رأيا واحدا حتى لو خالف ألفاظ القرآن وخالف العقل والتاريخ وخالف المنطق بل حتى لو نسب إلى الله الضلال والخبل والجنون.

الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ؛ فمن يستطيع أن يدق مسمارا في اللاهوت ؛ من يستطيع أن يدق مسمارا في النور؟ هل يموت النور؟ لا يستطع أحدا أن يصلب أو يقبر النور ؛ النور يدخل والأبواب مغلقة. فهكذا كما قال أخوان الصفا أن الصلب جرى للناسوت. فمن كان يدير العالم عندما مات المسيح ثلاثة أيام؟ سؤال أبله يقول به ضعاف العقول فالذي يدير العالم قبل صلب المسيح وموته وهو نفسه الذي يدير العالم أثناء صلب المسيح وفترة بقاء المسيح الناسوت في القبر وبعد قيامة المسيح. لأن النور لا يصلب أو يموت أو يقبر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنكر محمد وأصحابه لـ أهل الصليب

لقد بدأ التنكر للصليب وأهل الصليب في مرحلة متأخرة من حياة محمد ففي الفترة المكية لا نجد أي أثر لتسفيه عقيدة النصارى في صليب المسيح أو أن المسيح أبن الله وحتى في المرحلة المدنية المتقدمة لم نجد أي أثر يذكر لتسفيه عقيدة النصارى بل الأنقلاب على النصارى جاء في مرحلة متأخرة من إسلام المدينة وبدأ تكفير النصارى وتسفيه عقيدتهم ووصف الصليب بأنه صنم وأستمر التطاول على النصارى وتسفيه عقائدهم وأحتقار صليبهم والأزدراء به وأعتباره من المنكرات أسوة بنبي الإسلام حتى في عصر الخلفاء ثم التابعين وحتى الآن حتى وصل الأمر بأعتبار الصليب كالقاذورات أو فرج المرأة كما لم يمهل العمر محمدا للقضاء على النصرانية في جزيرة العرب فترك لأتباعه وصية التطهير العرقي للنصارى في جزيرة العرب كل النصارى ؛ فلماذا لم يستثني النصارى القائلين بصلب الشبيه وتكفير القائلين بصلب المسيح؟.

* يقول الزبيدي في تاج العروس : الرُّهْبَانُ قَدْ صَلَّبُوا: اتَّخَذُوا في بِيعَتِهِم صَلِيباً. وفي المِصْبَاح: ثَوْبٌ مُصْلَّبٌ أَيْ فِيه نَقْشٌ كَالصَّلِيبِ. وفي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّعم كَانَ إِذَا رأَى التَّصْلِيبَ في ثَوْبٍ قَضَبه أَي قَطَع مَوْضِعَ التَّصْلِيب مِنْه. وفي الحديث: نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ في الثَّوْبِ المُصَلَّب. وَهُوَ الَّذِي فِيهِ نقْشٌ أَمْثَالُ الصُّلْبَان. وفي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضاً: فنَاوَلْتُهَا عِطَافاً فرَأَتْ فِيهِ تَصْلِيباً، فقالت: نَحِّيه عَنِّي. وفي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَت تَكْرَهُ الثِّيَابَ المُصَلَّبَةَ وفي حَديثِ جَرِير: رأَيْتُ عَلَى الحَسَنِ ثَوْباً مُصَلَّباً. وكُلُّ ذلِك في التَّهْذِيبِ.

(*) تاج العروس للزبيدي باب ص-ل-ب

 

يقول القرطبي : قوله تعالى‏" ‏فاجتنبوا الرجس من الأوثان‏" الرجس‏:‏ الشيء القذر‏.‏ الوثن‏:‏ التمثال من خشب أو حديد أو ذهب أو فضة ونحوها، وكانت العرب تنصبها وتعبدها‏.‏ والنصارى تنصب الصليب وتعبده وتعظمه فهو كالتمثال أيضا‏.‏ وقال عدي بن حاتم‏:‏ أتيت النبي صلعم وفي عنقي صليب من ذهب فقال‏:‏ ‏" ‏ألق هذا الوثن عنك‏"‏ أي الصليب.

(*) الجامع لأحكام القران للقرطبي باب الحج الآية رقم ‏(‏ 30 ‏:‏ 31)

 

يقول السيوطي في الدر المنثور : أخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال‏:‏ قال رسول الله صلعم ‏"‏إذا كان يوم القيامة دعى بالأنبياء وأممها، ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقر بها، يقول ‏" ‏يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك‏.‏‏.‏‏.‏‏" الآية‏.‏ ثم يقول ‏" ‏أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله‏ " ‏(‏المائدة الآية 116‏)‏ فينكر أن يكون قال ذلك، فيؤتي بالنصارى فيسألون‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم، هوأمرنا بذلك‏.‏ فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده، فيجاثيهم بين يدي الله مقدار ألف عام، حتى يوقع عليهم الحجة، ويرفع لهم الصليب، وينطلق بهم إلى النار‏.‏

(*) الدر المنثور للسيوطي باب سورة المائدة.

وهنا حسب واحد من أكبر مفسري القرآن أن النبي قال أن الصليب مثل القذر والوثن ويضيف السيوطي حديثا أن الملائكة ستأخذ بكل شعر عيسى الذي سيرفع الصليب لواء للنصارى يوم القيامة وينطلق بهم وبالصليب إلى النار!!

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا بن أبي قماش ثنا سعيد بن سليمان عن عبد السلام بن حرب الملائي عن غطيف الجزري عن مصعب بن سعد بن عدي بن حاتم رضى الله تعالى عنه قال أتيت النبي صلعم وفي عنقي صليب من ذهب قال فسمعته يقول " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " قال قلت يا رسول الله إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم.

(*) السنن الكبرى البيهقي باب باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي.التاريخ الكبير للبخاري باب غطيف [ 20137 ].

حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن عمران بن حطان أن عائشة رضى الله تعالى عنها حدثته أن النبي صلعم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه  

 (*)صحيح البخاري باب نقض الصور. سنن أبي داود باب الصليب في الثوب ـ 5608.

هذا وباختصار شديد موقف النبي من الصليب وهو لا يحتاج إلى تعليق بل فقط هو مجرد تذكرة بتلك النواة التي زرعها محمد في عقول أتباعه فنمت وترعرعت وأفرخت ما سوف نراه من خلفاء النبي وصحابته وتابعيه وأئمة مذهبه وأتباع إسلامه وإلى اليوم.

* عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن أبي عتبه أن رسول الله صلعم آخر عهده أوصى ألا يترك في جزيرة العرب دينان.

* عن مالك بن أنس عن .. عن عمر بن عبد العزيز قال آخر ما تكلم به صلعم قال لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب.

(*)الموطأ للإمام مالك كتاب القسامة باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة .نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري باب ما أوصى به صلعم في مرضه الذي مات فيه. الطبقات الكبرى لأبن سعد باب ذكر الكنيسة التي ذكرها أزواج النبي صلعم في مرضه وما قال في ذلك.

* عن أبي عبيدة بن الجراح قال: إن آخر ما تكلم به النبي صلعم أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران " النصارى " من جزيرة العرب.

(*) صحيح مسلم باب إِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ‏. حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصفهاني باب وكيع بن الجراح. الجامع الصغير للسيوطي حديث رقم7190.

* عن أبي هريرة قال: قال النبي صلعم لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها.

 (*) صحيح مسلم كتاب السلام باب النهى عن ابتداء، أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم. المسند للإمام أحمد بن حنبل باب مسند أبي هريرة.

تلك هى محبة نبي الإسلام لأهل الكتاب الذي أرسله الله رحمة للعالمين وليس أقامه هواه جلادا لأصحاب الديانات السماوية اليهود والنصارى وضرب أعناقهم. هل هناك تعاليم كهذه في شريعة عابدي الأصنام في جاهلية العرب؟

ومات محمد وبدأت مرحلة خلفائه الذين أظهروا عداء شديدا للصليب وأتباعه ليدللوا أنهم تلامذة نجباء ومخلصين لمبادئ محمد فقام أبو بكر في أول أيامه بإعداد الجيوش وأمرهم بإعمال سيوفهم في من يؤمن بالصليب:

قال الواقدي في فتوح الشام : وصية أبي بكر قال المؤلف رحمه الله تعالى‏:‏ لقد بلغني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قام من ساعته يمشي على قدميه وحوله جماعة من الأصحاب منهم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين وخرجوا إلى ظاهر المدينة ووقع النداء في الناس وكبروا بأجمعهم فرحًا لخروجهم وأجابتهم الجبال لدوي أصواتهم وعلا أبو بكر على دابته حتى أشرف على الجيش فنظر إليهم قد ملئوا الأرض فتهلل وجهه وقال‏:‏ اللهم أنزل عليهم الصبر وأيدهم ولا تسلمهم إلى عدوهم ‏"‏إن الله على كل شيء قدير‏" ‏[‏البقرة‏:‏ 20‏]‏‏.‏ وكان أول من دعاه أبو بكر يزيد بن أبي سفيان وعقد له راية وأمره على ألف فارس من سائر الناس ودعا بعده رجلا من بني عامر بن لؤي يقال له ربيعة بن عامر وكان فارسًا مشهورًا في الحجاز فعقد له راية وأمره على ألف فارس ...

فتقدم إليه يزيد فقال‏:‏ يا خليفة رسول الله أوصنا فقال‏:‏ إذا سرت فلا تضيق على نفسك ولا على أصحابك ... ‏وإذا لقيتم القوم فلا تولوهم الأدبار " ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير‏"‏ ‏[‏الأنفال:‏ 16]‏‏.‏ وإذا نصرتم على عدوكم فلا تقتلوا ولدًا ولا شيخًا ولا امرأة ولا طفلا ولا تعقروا بهيمة إلا بهيمة المأكول ولا تغدروا إذا عاهدتم ولا تنقضوا إذا صالحتم وستمرون على قوم في الصوامع رهبانًا يزعمون أنهم ترقبوا في الله فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم وستجدون قومًا آخرين من حزب الشيطان وعبدة الصلبان قد حلقوا أوساط رؤوسهم حتى كأنها مناحيض العظام فاعلوهم بسيوفكم حتى يرجعوا إلى الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقد استودعتكم الله ثم عانقه وصافحه وصافح ربيعة بن عامر وقال‏:‏ يا عامر أظهر شجاعتك على بني الأصفر بلغكم الله آمالكم وغفر لنا ولكم‏.‏

قال‏:‏ وسار القوم ورجع أبو بكر رضي الله عنه بمن معه إلى المدينة قال‏:‏ فجد القوم في السير فقال ربيعة بن عامر‏:‏ ما هذا السير يا يزيد وقد أمرك أبو بكر أن ترفق بالناس في سيرك فقال يزيد‏:‏ يا عامر إن أبا بكر رضي الله عنه سيعقد العقود ويرسل الجيوش فأردت أن أسبق الناس إلى الشام فلعلنا أن نفتح فتحًا قبل تلاحق الناس بنا فيجتمع بذلك ثلاث خصال‏:‏ رضاء الله عز وجل ورضاء خليفتنا وغنيمة نأخذها‏.‏

فقال ربيعة‏:‏ فسر الآن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

قال‏:‏ فأخذ القوم في السير على وادي القرى ليخرجوا على تبوك ثم على الجابية إلى دمشق‏.‏

(*) فتوح الشام للواقدي الجزء الأول باب إقبال الجند الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام.

تلك هى وصية الخليفة الأول لنبي الرحمة والتي كنت لا أقرأ ولا أسمع من شيوخنا الأفاضل منها إلا " تقتلوا ولدًا ولا شيخًا ولا امرأة ولا طفلا ولا تعقروا بهيمة ... " لكن بعد البحث وجدت أن المسلمين هم من بدأوا الحروب على البلاد المجاورة وكان الدافع النهب والغنيمة وإرضاء الله والرسول في نكاح بنات بني الأصفر وتلك كانت أمنية محمد عندما قال أغزو تبوك تفوزوا ببنات بني الأصفر ثم أوضح الصديق خليفة نبي الرحمة أنه سائر على هدي المصطفي وأن البذرة التي زرعها نبي الرحمة أنبتت وأفرخت فأوصى جيشه أن يعملوا سيوفهم في حزب الشيطان عابدي الصليب فإما قتلهم أو إجبارهم على الإسلام. أين هم النصارى الذين ينكرون صليب المسيح؟ لقد كانت نصارى الشام جميعهم يؤمنون بصلب المسيح فأعمل فيهم المسلمون سيوفهم كما فعل بهم الفرس المجوس عابدي النيران وكما فعل بهم نيرون عابد الصنم وكان موقف المسلمين منهم كموقف عبد المطلب.   

أما وثيقة الخليفة الثاني لـ محمد ومضرب المثل في العدل : أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه ... عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال كتبت لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه حين صالح أهل الشام ومصر بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيي ما كان منها في خطط المسلمين وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار ولا نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام ...  ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شركا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا جلوسا ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وأن نجز مقاديم رؤوسنا ...  وأن لانظهر صلبنا وكتبنا في شيء من طريق المسلمين ولا أسواقهم وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا وأن لا نضرب بناقوس في كنائسنا بين حضرة المسلمين ...  ولا نجاورهم موتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ...

(*) السنن الكبرى البيهقي باب الإمام يكتب كتاب الصلح على الجزية[ 18497 ]. أحكام أهل الذمة لأبن القيم الجوزية باب ذكر الأحكام العمرية وأحكامها وموجباتها. تاريخ أبن خلدون الجزء الثالث باب  تقرير العهد لأهل الذمة.

ويستمر مسلسل أمتهان الصليب وتحقير أتباعه والأعتداء على بيعهم وكنائسهم من النبي ومن عمر الفاروق العادل ومن جاء بعدهم لكن ما أريد أن أركز عليه هنا أن النصارى خارج الجزيرة العربية كانوا يرفعون الصليب على بيعهم وكنائسهم وهو دليل فخرهم وأفتخارهم به فلزم أن يكون صليب المسيح وليس صليب الخائن؟ وهنا لو كان هناك نصارى يقفون من الصلب موقف القرآن لكان عمر والصحابة أستثنوهم أو طالبوا النصارى القائلين بصلب المسيح أن يتمثلوا بموقف النصارى المتفقين مع القران بالقول بصلب الشبيه. ثم نرى قصيدة لأحد التابعين وهو خالد ابن صفوان يناشد فيها عمر أبن العاص رضي الله عنه بضرب أعناق النصارى الأقباط يقول خالد ابن صفوان من قصيدة له يمدح بها عمرو بن العاص رضي الله عنه ويحثه على قتلهم ويغريه بهم:

يا عمرو قد ملكت يمينُك مصرَنا  وبسطت فيها العدل والإقساطا

فاقتل بسيفك من تعدى طـوْرَه    واجعل فتوحَ سيوفِك الأقباطا

فيهم أقيم الجور في جنباتـهـا    ورأى الأنام البغيَ والإفراطا

عبدوا الصليب وثلثوا معبودهم     وتوازروا وتعدوا الأشراطا

(*) أحكام أهل الذمة لأبن القيم الجوزية باب فصل المأمون وأهل الذمة.

لقد صدمتني تلك الأبيات فقلت ربما أنها جاءت من حاقد أو جاهل ؛ لكن عمرو أبن العاص رضي الله عنه لم يأخذ بها ؛ فوجد أقوالا للصحابي الجليل عمرو أبن العاص هي أكثر إزدراء وعنصرية وهمجية من تلك الأبيات.

جاء في الخطط المقريزية للمقريزي باب فتح عمرو مصر قال سفيان بن وهب الخولاني‏:‏ لما افتتحنا مصر بغير عهد ولا عقد قام الزبير بن العوام فقال‏:‏ اقسمها يا عمرو بن العاص فقال عمرو‏:‏ والله لا أقسمها فقال الزبير‏:‏ والله لنقسمنها كما قسم رسول الله صلعم خيبر فقال عمرو‏:‏ والله لا أقسمها ... وقال ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة‏:‏ إن مصر فتحت عنوة ... وعن عمرو بن العاص أنه قال‏:‏ لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليّ عهد ولا عقد إلا أهل أنطابلس كان لهم عهد يوفي به ؛ إن شئت قتلت ؛ وإن شئت خمست " يستعبد خمسهم كما كان للرسول خمس المغنم " وإن شئت بعت‏. هذا موقف الصحابي الجليل رضى الله عنه أن رقاب الأقباط في بيده يقتل منها ما شاء ويبيع منها ما شاء أما موقف الصحابي الآخر الجليل والذي رضى الله عنه أيضا وأرضاه معاوية أبن أبي سفيان فجاء في الخطط المقريزية للمقريزي باب ومن أخلاق أهل مصر وقال معاوية بن أبي سفيان‏:‏ وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف‏:‏ فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لا ناس‏.‏

فأما الثلث الذين هم الناس‏:‏ فالعرب والثلث الذين يشبهون الناس‏:‏ فالموالي " العبيد " والثلث الذين لا ناس‏:‏ المسالمة يعني القبط‏.‏

ناهيك عن التحقير للنصارى وإذلالهم وشوفنية العرب والأعاريب لكن هنا إشارات مهمة على ما كانت عليه نصارى مصر عند دخول الإسلام من إعزاز للصليب ؛ فهل لم يكن بينهم أي جماعة لا تعتز بالصليب حتى يستثنيها الصحابي الجليل؟ هل ليس هناك فئة من نصارى مصر تقول بصلب الشبيه الخائن وتعتبر الصليب وثن؟ ويستمر مسلسل إزدراء النصارى ومعتقداتهم والتطاول على الصليب بشكل خاص وكان هذا ما يصفعني عندما أعود لنفسي كيف نقول أننا نحترم كل الأديان وخاصة أهل الكتاب والنصارى منهم تحديدا وأن نبرّهم ونقسط إليهم فأي بر وأي قسط في تلك النصوص؟ نعم إنه النفاق المحمدي هو كل ما ورثناه ويستمر مسلسل الإهانات الذي ورثه المسلمون عن النبي

قال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن ميمون بن مهران قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن يمنع النصارى في الشام أن يضربوا ناقوساً، ولا يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم. فإن قدر على من فعل من ذلك شيئاً بعد المقدم إليه فإن سكنه لمن وجده ". وإظهار الصليب بمنزلة إظهار الأصنام: فإنه معبود النصارى كما أن الأصنام معبود أربابها، ومن أجل هذا يسمون عباد الصليب. ولا يمكنون من التصليب على أبواب كنائسهم وظواهر حيطانها؛ ولا يتعرض لهم إذا نقشوا ذلك داخلها.

(*) أحكام أهل الذمة لأبن القيم الجوزية باب فصل قولهم ولا نظهر عليها صليباً.

هذا أيضا ما فعله عمر بن عبد العزيز العادل الذي يعدونه خامس الخلفاء الراشدين ويطلعنا الأبشيهي على أفعال عمر بن عبد العزيز بالبيع والكنائس فيقول:

 وأما الكنائس، فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تهدم كل كنيسة بعد الإسلام، ومنع أن تجدد كنيسة، وأمر أن لا تظهرعليه خارجة من كنيسة ولا يظهر صليب خارج من كنيسة إلا كسر على رأس صاحبه، وكان عروة بن محمد يهدمها بصنعاء وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين. وشدد في ذلك عمر بن عبد العزيز وأمر أن لا يترك في دار الإسلام بيعة ولا كنيسة بحال قديمة ولا حديثة، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(*) المستطرف للأبشيهي باب الفصل الثاني في أحكام أهل الذمة

أليس ما فعله عمر أبن الخطاب هو المادة الأصيلة التي أستقى منها العثمانيين قوانين الخط الهمايوني وهى نفسها التي تحرم نصارى مصر من أصلاح مرحاض بكنيسة إلا بقرار من رئيس الجمهورية؟ أليس هذه وتلك هى السلاح النبوي في يد الرعاع والدهماء للأعتداء على دور عبادة النصارى.

يذكر المسعودي في مروج الذهب : وبإنطاكية أيضاً كنيسة بولس، وتعرف بإنطاكية بدير البراغيث وهي مما يلي باب فارس، وبها أيضاً كنيسة أخرى تدعى أشمونيت، وبها عيد عظيم للنصرانية وكذلك بها كنيسة بربارا، وكنيسة مريم وهي كنيسة مدورة، وبنيانها من إحدى عجائب العالم في التشييد والرفعة، وكان الوليد بن عبد الملك بن مروان اقتلع من هذه الكنيسة عُمدأ عجيبة من المرمر والرخام لمسجد دمشق حملت في البحر إلى ساحل دمشق، وبقي الأكثر من هذه الكنيسة إلى هذا الوقت.

(*) مروج الذهب للمسعودي باب ذكر شهور السريانيين ووصف موافقتها باب مشهور كنائسهم.

عبد الملك بن مروان من الخلفاء الأمويين ملك بين 65هـ ـ 86هـ دمر بيعة للنصارى هى من أحدى عجائب العالم وأخذ أعمدتها العجيبة من المرمر والرخام لبناء مسجد دمشق أليس هذا صدى لما قاله محمد لوفد بني حنيفة أن يهدموا بيعتهم ويبنوا مكانها مسجدا.

 

ويذكر القلقشندي في صبح الأعشى أن في زمن الفضل بن الربيع وزير الرشيد رتبت أول قسم يحلف بها النصارى ‏.‏

فقال‏:‏ إن يمينهم‏:‏ ‏"‏ والله والله والله العظيم وحق المسيح عيسى ابن مريم وأمه السيدة مريم وما أعتقده من دين النصرانية والملة المسيحية وإلا أبرأ من المعمودية وأقول‏:‏ إن ماءها نجس وإن القرابين رجس وبرئت من ماريوحنا المعمدان والأناجيل الأربعة وقلت‏:‏ إن متى كذوب وإن مريم قول اليهود ودنت بدينهم في الجحود وأنكرت اتحاد اللاهوت بالناسوت وبرئت من الأب والابن وروح القدس وكذبت القسوس وشاركت في ذبح الشماس وهدمت الديارات والكنائس وكنت ممن مال على قسطنطين ابن هيلاني وتعمد أمه بالعظائم وخالفت المجامع التي أجمعت الأساقفة برومية والقسطنطينية ووافقت البرذعاني بأنطاكية وجحدت مذهب الملكانية وسفهت رأي الرهبان وأنكرت وقوع الصلب على السيد اليسوع وكنت مع اليهود حين صلبوه وحدت عن الحواريين واستبحت دماء الديرانيين وجذبت رداء الكبرياء عن البطريرك وخرجت عن طاعة البابا وصمت يوم الفصح الأكبر وقعدت عن أهل الشعانين وأبيت عيد الصليب والغطاس ولم أحلف بعيد السيدة وأكلت لحم الجمل ودنت بدين اليهود وأبحت حرمة الطلاق وخنت المسيح في وديعته وتزوجت في قرن بامرأتين وهدمت بيدي كنيسة قمامة وكسرت صليب الصلبوت وقلت في البنوة مقال نسطورس ووجهت إلى الصخرة وجهي وصديت عن الشرق المنير حيث كان المظهر الكريم وإلا برئت من النورانيين والشعشعانيين ودنت غير دين النصارى وأنكرت أن السيد اليسوع أحيا الموتى وأبرأ الأكمة والأبرص وقلت بأنه مربوب وأنه ما رؤي وهو مصلوب وأنكرت أن القربان المقدس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة وخرجت في النصرانية عن لاحب الطريقة وإلا قلت بدين التوحيد وتعبدت غير الأرباب وقصدت بالمظانيات غير طريق الإخلاص وقلت‏:‏ إن المعاد غير روحاني وإن المعمودية لا تسيح في فسيح السماء وأثبت وجود الحور العين في المعاد وأن في الدار الآخرة التلذذات الجسمانية وخرجت خروج الشعرة من العجين من دين النصرانية وأكون من ديني محروماً وقلت إن جرجس لم يقتل مظلوماً‏.‏

(*) صبح الأعشى أحمد بن علي للقلشندي باب الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثامنة في نسخ الايمان المتعلقة بالملوك الملة الثالثة.

هذا القسم الذي صاغوه في عصر هارون الرشيد ليقسم به النصارى والذي أجمل فيه إيمان النصارى ومن يحنث في قسمه يتبرأ من هذا الإيمان ولكنه صيغ بطريقة فيها من التحقير ما فيها. ويستمر مسلسل أحتقار النصارى والصليب فيقول أبن الجوزية عن الإمام الشافعي : وأربعةُ تُقوِّى البصر: الجلوسُ حِيالَ الكعبة، والكحلُ عند النوم، والنظرُ إلىالخُضرة، وتنظيف المجلس. وأربعةُ توهِنُ البصر: النظرُ إلى القذَرِ، وإلى المصلوبِ، وإلى فَرْجِ المرأة، والقعودُ مستدبِرَ القِبْلَة.

(*) الطب النبوي لـ أبن القيم الجوزية باب حرف الهاء.

قال أبن القيم الجوزية في أحكام أهل الذمة:

في تهنئة أهل الذمة بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد، فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة، ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك أو نَيحَك فيه، أو يقول له: أعزك الله أو أكرمك، إلا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك. فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة، وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممَن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت اللّه وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه. وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك، وبالله التوفيق.

(*)أحكام أهل الذمة لأبن القيم الجوزية فصل في تهنئة أهل الذمة بزوجة أو ولد.

هل تتعجبون من كلام أبن الجوزية؟ أليست هى نسخة مماثلة لأحاديث محمد الذي قال عن الصليب أنه وثن أو صنم؟ أليس هى نسخة مطابقة لما فعله محمد من تمزيق أي رسم أو ملابس فيها صليب؟ أليس هى تطبيق عملي لأحاديث محمد بتحريم أبتداء النصارى بالسلام. نعم لقد أضاف لنا سفيان الثوري بعدا جديدا لكيفية السلام على النصارى مستوحيا روح النبي في عدم إبتداء النصارى بالسلام:

حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا إبراهيم بن أيوب الحوراني، حدثنا ضمرة، قال: سألت سفيان الثوري أصافح اليهود والنصارى. فقال: برجلك نعم.

(*) الحلية لأبي نعيم باب سفيان الثوري

وهنا الإمام سفيان الثوري الذي قالوا عنه أمير المؤمنين في الحديث كان في زمانه كأبي بكروعمر في زمانهما وقال ابن عيينه: اصحاب الحديث ثلاثة: ابن عباس في زمانه ،والشعبي في زمانه والثوري في زمانه والكثير الكثير هذا يجيز مصافحة أهل الكتاب النصارى واليهود فقط برجل المسلم لكن ما لم يوضحه للمسلمين هل يالحذاء أم بدونه ؟ أليس هذا صدى وروح أحاديث محمد التي تقول لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا قابلتموهم فإضروهم إلى أضيق الطرق.

قال الإمام النويري في كتابه بلوغ الآرب : وفي سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، في رابع عشري المحرم قرئ سجل من الحاكم بمنع الملوخية والمتوكلية والترمس المعفن والدليس وعمل الفقاع، وعن ذبح البقر، وألا يدخل أحداً المنبر إلا بمئزر ولا تكشف امرأة عن وجهها في طريق ولا خلف جنازة، وألا يباع من السمك ما ليس له قشر، وفي رابع صفر منها كتب على المساجد بسب الصحابة رضي الله عنهم، وعلى حيطان الشوارع والقياسر، ثم نهى عن ذلك سبع وتسعين، وأمر اليهود والنصارى إلا الحبابرة بلبس السواد، وأن يحمل النصارى الصلبان على أعناقهم، وأن يكون طول الصليب ذراعاً وزنته عشرة أرطال، وعلى أعناق اليهود قوامي الخشب والجلاجل، وألا يركبوا شيئاً من المراكب المحلاة، وأن يكون ركبهم من الخشب وألا يستخدموا أحداً من المسلمين ولا يركبوا حماراً لمكار مسلم.

(*) بلوغ الآرب في فنون الأدب للإمام النويري باب ما شذ به الحاكم بأمر الله الفاطمي.

 في سنة ثمان و تسعين وقعت فتنة بين الشيعة و أهل السنة في بغداد..... فيها هدم الحاكم بأمر الله بيعة قمامة التي بالمقدس ، وأمر بهدم جميع الكنائس التي بمصر ، وأمر النصارى بأن تحمل في أعناقهم الصلبان طول الصليب ذراع ووزنه خمسة أرطال بالمصري ، واليهود أن يحملوا في أعناقهم قرم الخشب في زنة الصلبان ، وأن يلبسوا العمائم السود.

(*) تاريخ الخلفاء للسيوطي باب القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر 393 هـ ـ 422 هـ.

الحاكم بأمر الله ستقولون أنه مجنون وحكم الجميع بخروجه عن صحيح الدين ؛ لكن ماذا عن عمر الذي كان يهدم أي بيعة بنيت في الإسلام؟ وماذا عن عمر بن عبد العزيز الذي كان يهدم كل بيعة قبل الإسلام أم بعده؟

يقول الصحفي أبراهيم عيسى في كتابه عمائم وخناجر وهو يسرد بعضا من شرائط الداعية الإسلامي الشيخ عمر عبد الكافي فيقول:

نفتح الشريط .. " هناك سؤال .. جيراننا وزمايلنا في الشغل مسيحيين نصارى تجيلهم أعياد نروح نهنيهم ؛ كل سنه وأنت طيب يا بطرس يا إسحاق ياوليم ينفع الكلام ده .. الإسلام يقولك ماينفعش ؛ ليه ؛ عندهم عيد أسمه عيد القيامة ـ اللي قام فيه السيد المسيح ؛ المسيح نام ثلاثة أيام وقام ؛ لما قام بأه عشان يحكم العالم تاني ؛ ما علينا ؛ مش عايزين نخش في نقاش مش وقته ؛ لما تروح تقوله ؛ في عيد القيامة كل سنة وأنت طيب ؛ يبقى أنت أقريت من نفسك إن فيه حاجة أسمها قيامة المسيح ؛ صح ولا لأ .. هذا إقرار ضمني من جواك إن فيه للمسيح قيامة وإنه قام وإنه مات وصحي وإنه بعث ليحكم العالم لأنه الرب أو أبن الله وهذا الكلام كله حرام ؛ مينفعش إنك تروح للمسيحي وتقوله كل سنه وأنت طيب ؛ لكن لو شفته في السكة قل له إزيك ؛ يقولك كده أنا زعلان منك. ليه خير يابطرس زعلان مني ليه؟ مجتش تعيد عليّ. هو أنتم عندكم عيد. يعني توهه متقولوش كل سنة وأنت طيب ؛ العب معاه ؛ المهم منقرش إنه عنده عيد !!

ويضيف الشيخ عمر عبد الكافي فيقول:

هل أبدأ أنا المسيحي بالسلام .. واحد مسيحي جاي عليّ هل أبدأ بالسلام. لا متبدأش بالسلام .. طيب لو سلمت عليه أقول السلام عليكم ؛ لا .. قوله صباح الخير .. مساء الخير .. إزيك ياخواجة " يعني يا أجنبي "  .. شوف الجو برد إزاي .. مالك وشك أصفر كده يا عكر ( ...) ! "

(*) عمائم وخناجر لـ إبراهيم عيسى دار سفنكس للطباعة والنشر والتوزيع ـ 1993 .

هذا ما قاله الشيخ عمر عبد الكافي في شرائطه التي تملأ ربوع مصر والذي إستضافه التلفزيون المصري لمدة شهر كامل وفي العام 1993 قبل ظهور البال تالك والأنترنت وقناة الحياة ولمزيد من معرفة تنكر المسلمين للصليب وللنصارى فلقد قدم الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى ومجلس إدارة روزا اليوسف بلاغا للنائب العام وقالوا فيه حاكموه أو حاكموننا وقدموا شرائط بصوت الشيخ عبد الكافي ولم يستطع أحد على توجيه أي إتهام له لماذا؟ لأن ما قاله عبد الكافي هو تطبيق لما قاله نبي الإسلام بأن الصليب وثن وصنم وأيضا لأحاديثه التي قال فيها النبي صلعم لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإن قابلتموهم في طريق فإضطروهم إلى أضيقه وربما عبد الكافي لم يطبق الحديث بنصه تلطفا أو ترفعا على أحاديث النبي. نعم عمر عبد الكافي هو أمتداد لعمر بن عبد العزيز وعمر أبن الخطاب وعمرو أبن العاص وكلهم تلاميذ رحمة الله للعالمين أو الرحمة المهداة محمد أبن عبد الله؟ ثم نشرت روزا اليوسف صورة لهذا الشيخ المنافق بصحبة وزير الأوقاف الدكتور المحجوب وهو يهنئ البابا بالعيد والذي حض المسلمين في دروسه بعدم تهنئة النصارى بالعيد ؛ سامحه البابا على تطاوله على النصارى ولكن كل المصريون الشرفاء لم يسامحوه على ما فعل بمصر والمصرين وأنني أنتظر أن يلاحق شرفاء مصر هذا الرجل لينال عقوبته المناسبة لجرمه الذي إرتكبه في حق مصر. وبعد ذلك يقول شيوخنا الأفاضل أن الإسلام يحضنا على إحترام كل الديانات وخاصة أهل الكتاب وبالتحديد النصارى وبالتخصيص أقباط مصر ولكي تكتمل عدة النفاق فلكم هذه الأحاديث من آذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة أو أستوصوا بأقباط مصر خيرا فإن لكم فيهم ذمه ورحما !! وهكذا يميل معك النبي وأحاديثه كيفما تميل مما يصيب الإنسان بالذهول والغثيان.

ليس مبحثي ما لاقاه النصاري في ظل الإسلام وشرائعه فهذا مبحث آخر لكن هذه عينة عن بعض ما قالوه عن الصليب وأتباع الصليب منذ محمد وإلى اليوم وكيف كان الصليب علما وراية للنصارى عند ظهور الإسلام ويرفعونه على منائر كنائسهم وبيعهم ويرسمونه على جدرانها ؛ وكيف كان المسلمون من أيام محمد وإلى اليوم يحتقرون الصليب ويمنعون من إظهاره كالمنكر كالخمر والخنزير بل وتخطاه البعض وعامل الصليب كالقازورات أو كفرج المرأة أو كما قال النبي كالوثن والصنم. نعم لقد توحد المسلمون مع اليهود ومع عابدي الأصنام وعابدي النيران في إحتقار الصليب وإضطهاد أتباعه. من ألقى القمامة والزبالة على صليب المسيح أليس هم اليهود؟ من الذي هدم بيعة القيامة أو كما يسميها المسلمون بيعة قمامة أليس هم اليهود والمسلمون؟ هل هناك أي كتاب في العالم أطلق فيه المؤرخون لفظ القمامة على أقدس مكان بالنسبة للنصارى غير مؤرخي المسلمين الذين أطلقوا على كنيسة القيامة لفظ كنيسة قمامة؟ لعل هذا من مظاهر أحترامنا كمسلمين لأصحاب الديانات وخاصة النصارى أكثر أهل الكتاب مودة للمسلمين؟ من الذي قتل الحواريين والنصارى أليس هو نيرون عابد الأصنام؟ أريد فقط أن تقارنوا بين مواقف وأفعال محمد وخلفائه وأتباعه من الصليب والنصارى ومواقف وأفعال اليهود وعابدي الأصنام من الصليب وأتباعه. لكن أين هم النصارى الذين مدحهم محمد وتوحد معهم في الإيمان وقال أن إلههم وإله الإسلام واحد؟

 

 

 

 

 

 

   صرخة العقل والضمير

صلبوه ... أم شبه لهم؟ سؤال أو بالأحرى إجابتان إحداهما صحيح والأخرى كذب وإفتراء ؛ الإجابة الأولى نعم صلب المسيح والثانية لا لم يصلب المسيح والذي صلب شبيه المسيح ؛ هل عرفتم الفارق بينهما؟

نعم الفارق بين الإجابتين أوسع من المسافة بين الأرض وأبعد كوكب ؛ الفارق بينهما هو الفارق بين الإيمان والكفر ؛ الفارق بينهما أذل من البشر الملايين عبر التاريخ وإلى اليوم ؛ الفارق بينهما أضل الملايين ولا يزل ؛ الفارق بينهما هو الذي جعل كل مسلم ينكر صلب المسيح أن يكفر جاره النصراني ويستبيح ماله وعرضه لا لشئ إلا لأنه يؤمن بصلب المسيح ؛ الفارق بينهما هو الذي ملأ صفحات من التاريخ مجللة بالسواد والخزي والعار وسطر صفحاته بدماء الملايين ؛ الفارق بينهما هو الذي يدفع بالآلاف من شباب المسلمين أن يفجروا أنفسهم لقتل أكبر قدر من النصارى عابدي الصليب عابدي الصنم أو الوثن. هل تريدون دافعا أقوي يحفذ أي إنسان له حس إنساني أن يبحث عن الحقيقة؟

نعم لقد كان هذا دافع قوي جعلني أحفر في كتب التاريخ والتفاسير والأحاديث سعيا وراء الحقيقة ؛ حقيقة صلب المسيح ؛ أمسكت ببداية الخيط وهو مدح النبي للنصارى وتوحده معهم في نفس الإله جريت أبحث عن النصارى الذين رقت قلوبهم لرقة ألفاظ القرآن وتطابقه مع إيمانهم وإنجيلهم جريت أبحث عن النصارى الذين لا خوف عليهم ولهم أجرهم وفوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ؛ رحت أجري خلف هؤلاء النصارى لعلي أجد كتابهم الذي ينكر صلب المسيح ؛ لعلى أجد صوامعهم وبيعهم وكنائسهم التي تنكر صلب المسيح ؛ رحت أبحث عن ديارهم وآثارهم ؛ أستنطق آثارهم وتاريخهم ليدلني على موقفهم من صلب المسيح ؛ نعم ما تركت لهم خيطا إلا وجريت خلفه لعلي أجد لهؤلاء النصارى الذين مدحهم النبي أثرا وقال أن لاخوف عليهم ولهم أجرهم عند ربهم وإذا آمنوا بمحمد سيكون لهم أجرهم مرتين وأن إلههم وإله محمد واحد ومدح كتابهم وقال أن فيه هدى ونور ومن لم يحكم به فهو فاسق ؛ وأمرنا أن نجادلهم بالحسنى وأن نقسط إليهم ونبرهم ؛ وأنهم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ؛ أين هم؟ هل أنشقت الأرض وأبتلعتهم؟ هل ذابوا ذوبان الملح في الماء؟ أين هم النصارى الذين لديهم الخبر الصحيح بأن المسيح لم يصلب بل الذي صلب هو الشبيه؟؟؟

لقد بحثت بين نصارى الشام والعراق واليمن وحضرموت والبحرين ومصر والحبشة بل ونصارى نجد والحجار والجزيرة طولا وعرضا ؛ فوجدت كل هؤلاء النصارى كانوا يعظمون الصليب ويقسمون به أصدق قسم ويلبسونه في أعناقهم ويرفعونه على منائر معابدهم ؛ أما النصارى الذين فاضت أعينهم بالدمع لرقة القرآن فلم أجد لهم أثرا بل وجدت نصارى فاضت عيونهم بالدم من تخريب كنائسهم وبيعهم على يد محمد وخلفائه وجدت نصارى فاضت أعينهم بالدمع بسبب الجزية التي فرضها عليهم محمد وقرآنه يؤدونها بالذلة للقرشيين وللمسلمين وجدت نصارى تفيض عيونهم بالآلام بسبب تحقير معتقداتهم وإتهامهم بأنهم كفار يعبدون وثن وصنم هو الصليب وجدت نصارى تملأ عيونهم وقلوبهم الحسرة والمرارة على ديارهم في نجران وجزيرة العرب بعد أن طردهم محمد وخلفائه بأحاديث النبي الذي لا ينطق عن الهوى.

نعم لقد أختلف العلماء وكعادتهم في كل آيات القرآن والذي تميز من دون كل كتب الله بآياته المبهمة أو المتشابهة ؛ أختلف العلماء و المفسرون في الإجابة عن السؤال هل مات المسيح؟ قال البعض نعم مات وإختلفوا في مدة وفاته وقال البعض لم يمت المسيح بل كلمة الوفاة تعني النوم ؛ لا أدري لماذا إله القرآن يشير إلى النوم بمعنى الوفاة؟ هل يريد أن يضلل الناس؟ لماذا لم يتحدث بوضوح في تلك الآية التي تعد من أخطر الآيات ؛ فهى آية تكفر أصحاب ديانة هى من أعظم وأكبر الديانات وسبقت الإسلام بستة قرون "600 سنة ".

هل كان النصارى لمدة ستة قرون ومنذ رفع المسيح على ضلال حتى أيقظهم النبي الأمي بتلك الآية المبهمة التي إختلفوا فيها ؛ لماذا لم تأت الآية واضحة قاطعة؟ نعم أختلف المفسرون والمحدثون في هل صلب المسيح؟ فقال البعض بالصلب وقال البعض الآخر بصلب الشبيه وأنكر البعض وأستنكر أن يقوم الله بتلك التمثيلية السخيفة تمثيلية الشبيه لأنها تقوض كل النبوات. لكن سؤالي إذا كان القرآن مبين وواضح لماذا إختلفوا فيها وتناحروا كل هذا الإختلاف؟ أين أتباع المسيح الذين هم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة؟  

لقد أخبرتنا الأحاديث بالمئات لا بل بالآلاف عن النبي وبرازه وبوله الشريفين ونكاحه النبوي وغسله من الجنابة وسواكه ومكحلته وحيض نسائه وكل تفاهات الأمور؛ فلماذا لم أر أحاديث عن صلب المسيح أو صلب الشبيه تقطع بتلك الحادثة الخطيرة التي تفصل بين الإيمان والكفر ؛ فالنصارى أما مؤمنين بتعظيمهم للصليب أو كفار يعبدون وثن أو صنم ووجب على المسلمون قتلهم أو إذلالهم بدفع الجزية صاغرون ؟ لقد اغرقنا البخاري ومسلم وغيرهما بمئات الأحاديث عن الحيض والأستجمار أو الأفتضاض بالأحجار بعد التبرز أو الأستنجاء والأستبراء من البول أو التيمم أو نكاح الحور أو غلمان الدر المنثور  ..... أما في تلك الحادثة لم يفيدونا بشئ قاطع فلو كان هناك أحاديث موثقة قاطعة متواترة ؛ لماذا تناحر العلماء والمفسرون!

ماذا افعل بكل هذه الكومة والكوكبة من كتب التاريخ ومؤرخينا الذين ذكروا أن النصارى ومن أيام الحواريين إلى أن جاء الإسلام وبعده يعظمون الصليب ويقولون بصلب المسيح؟

هل ارمي كل هؤلاء خلف ظهري؟ على اي شئ أعتمد لو آمنت بصلب الشبيه وأن المسيح لم يصلب؟

هل هناك قصة واحدة في كل كتب التاريخ الإسلامي تقول أن هناك نصارى في اي مكان أو زاوية تقول بصلب الشبيه؟ قصة واحدة ولو ضعيفة أو هزيلة واضعف من خيوط العنكبوت أتعلق بها أحفظ بها ماء الوجه أمام نفسي أحترم بها ذاتي تقول بوجود نصارى يؤمنون بصلب الشبيه ومن هو وما مصير جسده وكيف ومتى ومن أين رفع المسيح ؟ قصة واحدة عن نصارى كفروا النصارى المؤمنون بصلب المسيح عبر ستة قرون قبل محمد؟ قصة واحدة ضعيفة أسرائلية كانت أو صهيونية أو منكرة أو مقطوعة أو مرقوعة أو مبعثرة؟ قصة واحدة تخبرني أين هم النصارى الذين يتفقون مع القرآن بصلب الشبيه؟

ماذا أقول لربي يوم الحساب عندما أكفر وأضطهد وأحتقر أتباع تلك الديانة وأتهمهم أخطر إتهام بأنهم يعبدون وثن أو صنم؟

على أي شئ أستند عندما أتهمهم؟ هل قرأ وفكر علماؤنا في كل هذا الكم الهائل من الأحداث والوقائع والتي ذكرها مؤرخونا لا مؤرخيهم ؛ والتي تقول بأن النصارى منذ رفع المسيح وإلى ظهور النبي الأمي يقولون بصلب المسيح ويعظمون الصليب؟ لو قرءوا ولم يخبرونا بها فيالهم من كذابين ولو لم يقرءوا فيا لهم من جهلة!  

أي قدر من الجهل نملك نحن المسلمون عندما نقول بعدم صلب المسيح وكل هذا الكم من الوقائع والأحداث يرقد في بطون أمهات كتب التاريخ لدينا تقول بأن النصارى منذ رفع المسيح وإلى اليوم تقول بصلب المسيح؟

أي فجور نملك يا شيوخنا الأفاضل عندما نكفر أصحاب الديانة النصرانية دون أن نملك أي دليل؟ هل يستطيع أيا من شيوخنا وعلماؤنا والقابضون على كتب التقديس لدينا ومن نصبوا أنفسهم حراسا لعقيدتنا أن يدلونني على وقائع رواها أي راوي أو محدث حتى لو كان من الهنود الحمر يقول أن هناك طائفة من النصارى كانت في عصر النبي أو قبله أو حتى بعده تقول بصلب شبيه المسيح؟ هل هناك أحاديث عن النبي القرشي تشرح لنا وقائع الصلب؟ نعم ستهربون إلى كتب النصارى تجتزئون منها ما يروق لكم ...

أريد أن احفظ للنفس ماء الوجه واريد ان اتعلق بأي خيط ولو كان أوهى من خيوط العنكبوت لكي أصل إلى أي فرقة من النصارى تقول بعدم صلب المسيح وتؤمن بصلب الشبيه ؛ هل ذكر مؤرخونا وعلماؤنا ومفسري القرآن أو حتى أحاديث نبينا الصحيحة أو المكذوبة شئ من ذلك؟

قال السيوطي والقرطبي أن هناك طائفة ثالثة من النصارى أسماها الطائفة المسلمة وأنها هى التي قالت بصلب الشبيه حسب قول المفسرين الكبيرين ؛ لكن أين عاشت هذه الطائفة وبأي أرض وأي كتاب كانت تؤمن به؟ لم يذكر أيا من المفسرين الكبيرين أي تفاصيل عن هذه الطائفة ؛ نعم أن ما أثار دهشتي أنهما قالا أنها من طوائف النصارى وقالا أنها الطائفة المسلمة ؛ فهل كان هناك إسلام قبل محمد؟ هل الإسلام بدعة نصرانية؟ هل الإسلام طائفة نصرانية؟ قالا نعم جاء محمد يحيي تعاليم هذه الطائفة رغم أنهما يقولا بأن الإسلام دين إبراهيم أو بعث بالحنيفية السمحة !!

هل هناك محنة تصيب عقل أي إنسان عندما يفكر مثل تلك المحنة التي تغلف عقل المسلم عندما يفكر؟ هل القرآن واضح ومبين أم أنه غامض يقبل فيه الشئ ونقيضه؟ لو كان القرآن واضح ومبين لماذا تناحر المفسرون من النقيض إلى النقيض؟

لو كان القرآن واضح ومبين ولو كانت الأحاديث النبوية الشريفة قاطعة ؛ لماذا تخبطوا تخبط السكران في قيئه أو تخبط من مسه طائف من الجن؟ فالبعض قال الذي صلب هو سرجس والبعض قال لا بل الذي صلب تطيانس والبعض قال لا بل الرقيب والبعض قال لا بل الذي صلب هو يهوذا الذي خان المسيح والبعض قال لا بل الذي صلب هو يهوذا رأس اليهود والبعض قال لا بل الذي صلب هو تلميذ منافق من تلاميذ المسيح والبعض قال لا بل الذي صلب هو تلميذ  مخلص من تلاميذ المسيح أكثر شجاعة من عيسى الرعديد الذي خاف وإرتعب والبعض قال لا بل الشبه ألقي على كل تلاميذ المسيح وأخذوا واحد منهم تعيس ألحظ أو سعيده وصلبوه ؛ لكن لو صلب آخر بدلا من المسيح ؛ لماذا لم نسمع أي شئ عن أهله وعشيرته وردة فعلهم؟ البعض قال لا أن الصلب لم يحدث بل كانت إشاعة والبعض قال لا أن قصة الشبيه قصة خطيرة تقوض كل أركان النبوات والبعض قال نعم مات المسيح لكن كيف لم يذكروا أي تفاصيل وصمتوا؟ والبعض قال نعم صلب الناسوت أما اللاهوت فلم يصلب. هل هناك هراء أكثر من هذا؟ هل هناك إختلاف أكثر من هذا؟ نعم بكل برود وفجور نقول إختلاف العلماء رحمة! فالمتعة على سبيل المثال أحل الحلال عند بعضهم وعهر ودعارة عند البعض الآخر فأختار منها ما يشبع شهواتك ونزواتك فالأختلاف رحمة وأي رحمة إنها محنة ؛ لو أختلف الناس في أمر نزعوا عنه اليقينية وأثاروا في النفوس الشكوك والتنازع فواحد صادق والباقون كذبة ؛ لكن لدينا الإختلاف رحمة وفي كل لغات العالم وأعرافهم الإختلاف نقمة إلا في لغة شيوخنا.

ومن مماحكات شيوخنا للتضليل على البسطاء فيقولون كيف يسمح الله أن يصلب أبنه وحبيبه ويقف يتفرج عليه ؛ نعم كانت تخدعني تلك الأقوال ولكن إلى حين فعندما كنت أفكر مليا في هذا القول أجد تلك الأحاديث تقف أمامي:

* حدثنا قتيبة، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن ابيه، قال قلت يا رسول الله صلعم اى الناس اشد بلاء قال ‏"‏ الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فان كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة " ضعف " ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ‏"‏ ‏.‏ قال ابو عيسى " الترمذي " هذا حديث حسن صحيح ‏.‏ ‏

(*)  سنن الترمذي كناب الزهد عن رسول الله صلعم باب ما جاء في الصبر على البلاء2578 -  . سنن الدارمي  كتاب الرقاق باب في اشد الناس بلاء. سنن ابن ماجة كتاب الفتن باب الصبر على البلاء. المسند لـ أحمد بن حنبل باب مسند ابي اسحاق سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه.

أليس الأنبياء هم أشد الناس بلاء؟ اليس الأنبياء أحباء الله وخلائله؟ كيف يبتلي الله أحبائه أشد من كل خلقه؟ سيقولون نعم حتى يمشي العبد بلا خطية أي البلايا كفارة لخطاياهم ونسوا أنهم يقولون بعصمة الأنبياء ؛ فهل الأنبياء يشتد عليهم البلاء لأنهم أكثر الناس خطايا؟ سيقولون لا على قدر صلابتهم في الدين ؛ فهل هناك أصلب دينا من روح الله وكلمة الله؟ هل هناك أصلب ممن أقام الموتى وفتح أعين العميان؟

* حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة عن رسول الله صلعم قال لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم بن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد.

 (*) صحيح البخاري باب  كسر الصليب وقتل الخنزير[ 2344 ].

يقول أبن حجر في تفسير هذا الحديث وأمثاله فيقول  " فيكسر الصليب ويقتل الخنزير أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه "

هناك العشرات من الأحاديث التي تقول أن عيسى سينزل ديانا للعالمين لكن هذا ليس مبحثي  ويقتل الخنزير أي خنزير أو كل الخنازير التي خلقها الله ليس هذا مبحثي لكن مشكلتي مع الإله المخبول ! الذي حسب كل التفاسير أنه القى شبه المسيح على شخص آخر وصلبه اليهود عوضا عن المسيح وأضل الله حواري المسيح وأضل كل النصارى عبر التاريخ وجعلهم يعظمون الصليب الذي قال عنه محمد أنه وثن أو صنم ثم يرسل عيسى ليكسر الصليب يوم القيامة !! هل يدخل هذا الكلام عقل طفل؟ لماذا لم يتحدث عيسى وهو على الأرض وقبل الرفع ويحذر حوارييه وأتباعه بأنه لن يموت بل هناك الدوبلير الذي سيمثل دور المصلوب عوضا عنه بأمر الإله المخبول؟ ومن هنا لماذا جاء المسيح؟ لماذا أرسل الله المسيح؟ حسب الفكر الإسلامي وكلام القرآن وكلام محمد فرسالة عيسى لم تجلب على البشرية إلا الضلال ؛ لماذ جاء المسيح إلى العالم حسب كلام محمد في القرآن والأحاديث وكلام المفسرين؟ نعم نتيجة رسالة عيسى حسب الفكر القرآني والإسلامي أنها جعلت النصارى عبر التاريخ يعظمون الصليب أو الوثن أو الصنم كما قال عنه محمد. عرفتم حجم الكذبة عرفتم حجم الضلال الذي قال به محمد والقرآن والأحاديث والمفسرين.

نعم نفس الإله المخبول الذي نصر عابدي الأصنام يوم الفيل بنصر الله وأرسل طير الأبابيل لينصر عبد المطلب وأهل الله في الجاهلية أو أهل الحرم على الحبشة أهل الكتاب آل الصليب والذين كانوا يتخذون الصليب لهم راية ثم يفرح أهل الحرم وأهل الله في الإسلام وفي أيام محمد بنصر الله بنصر الروم أهل الكتاب وإستردادهم لـ صليب المسيح ؛ أين أضع عقلي ... لا مجال لعقل أو فكر.

نعم أنا لا أرى في في إله الإسلام إلا إله مخبول هو علة الضلال وسبب الكفر وحاشا أن يكون هذا طبيعة الإله لكن تلك هى طبيعة المظل الشيطان عدو الإنسان والذي يجند الكثيرين لهلاك البشر.

نعم كان من الضروري أن ينكر محمد الصلب والصليب لكي يصبح محمدا نبيا لأن محمد لو أعترف بصلب المسيح سيصبح لا ضرورة لمحمد أو غيره من الأنبياء ؛ فالصليب وصلب المسيح هو الفداء والخلاص ؛ فلماذ يأتي نبي أخر بعده؟ ما هو دوره؟ لقد جاءت كل الأنبياء تبشر وتخبر عن مجئ المسيح ؛ فلماذا يأتي بعد المسيح نبي؟ نعم كل المنتفعين والسياسيين والحكام والعلماء والأئمة يستقتلون لا من أجل الحقيقة بل من أجل أن يظل محمدا نبيا يحكموننا به ويتربحون من ترهات هذا الدين وخرافاته.

هل كل هذا الهراء والتخبط يصمد أمام النصوص القاطعة المانعة التي بيد النصارى سواء من كتب التاريخ أو نصوص التوراة والانجيل التي تخلو من المقطوع والموصل والمدسوس والإسرائليات والصهيونات والخرافات والخزعبلات والتمثليات السخيفة ...

هل يصمد كل هذا الهراء أمام حديث التاريخ وما نطقت به الأحجار والحفريات ذلك الحديث الذي لا مجال لأنكاره أو الهروب منه بإدعاءات سخيفة مثل المدسوس والمقطوع والمرقوع والموصول والمفصول إن حديث التاريخ والأحجار والآثار حديث لا مجال لإنكاره ...

هل تصمد كل هذه الأوهام والأكاذيب أمام الحقيقة الساطعة حقيقة أنبعاث النور المقدس من قبر المسيح ليلة القيامة ؛ قيامة المسيح المظفرة أو قيامة أبن الرحمن الذي أنتصر على الموت الذي أطبق على كل البشر ؛ نعم تجبن كل وسائل الإعلام العربية أو الإسلامية عن أي تقارير عن هذا النور ؛ لمصلحة من؟ لمصلحة التضليل والتجهيل والسياسة ؛ جبناء تحكموا في مصائرنا الأبدية وآخرتنا ؛ جبناء أكثر جبنا من كل من سبقوهم ؛ نعم لم يخل كتاب من كتب التاريخ الإسلامي عن الحديث عن النور المقدس وأنبعاثه من قبر السيد المسيح ليلة القيامة وقالوا أنها خدعة لطيفة ! وعجبي خدعة لمدة تزيد عن أربعة عشر قرنا لم يكتشفها العقل المسلم بكل أمكانياته وتحكمه وتسلطه ؛ يا لها من عقول أضعف من عقول العجماوات ويا لها من عيون أحبت العمى على البصر وفضلت ظلمة الباطل على نور الحقيقة. ... ولكم بعض ما جاء في كتب المؤرخيين المسلمين:

ويقول المسعودي في التنبيه والإشراف أن مجمع نيقية والذي عقد في عصر قسطنطين أبن الملكة هيلانة ووضع فيه قانون الإيمان تقول به جميع النصارى ويذكر عيد الفصح النصراني الذي يقع بعد أسبوع من عيد الفصح اليهودي ويقول المسعودي " وبنت هيلاني بإيليا الكنيسة المعروفة بالقيامة في هذا الوقت الذي يظهر منها النار في يوم السبت الكبير الذي صبحه الفصح وكنيسة قسطنطين وديارات كثيرة للنساء والرجال على الجبل المطل على مدينة بيت المقدس المعروف بطور زيتا وهو بإزاء القبلة التي لليهود وعمرت مدينة إيليا عمارة لم يكن قبلها مثلها ولم يزل ذلك عامراً إلى أن أخربته جنود الفرس حين غلبت على الشأم ومصر وسبت من كان في تلك الديارات وغيرها قبل ظهور الإسلام وذلك في ملك كسرى أرويز ملك فارس.

(*) التنبيه والإشراف للمسعودي. باب ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس الأولى.

هنا يطلعنا المسعودي كيف أن هلانة بنت كنيسة القيامة في وقت ظهور النور وذلك سنة 325 أي قبل محمد بثلاثة قرون. وينقلنا المقريزي لمن جاء بعد قسطنطين وما حدث في أيامه من ظهور النور:

ولما قام قسطنطين بن قسطنطين في الملك بعد ابيه غلبت مقالة اريوسيين على القسطنطينية وانطاكية والاسكندرية وصار اكثر اهل الاسكندرية وارض مصر اَريوسيين ومنانيين واستولوا على ما بها من الكنائس ومال الملك الى رايهم وحمل الناس عليه ثم رجع عنه وزعم ابريس اسقف القدس انه ظهر من السماء على القبر الذي بكنيسة القيامة شبه صليب من نور في يوم عيد العنصرة لعشرة ايام من شهر ايار في الساعة الثالثة من النهار حتى غلب نوره على نور الشمس وراه جميع اهل القدس عيانًا فاقام فوق القبر عدة ساعات والناس تشاهده فامن يومئذٍ من اليهود وغيرهم عدّة الاف كثيرة‏.

 (*) الخطط المقريزية للمقريزي باب دخول قبط مصر في دين النصرانية.

ويضيف المسعودي في مروج الذهب:

ولخمس منه- وهو تشرين الأول- عيد كنيسة القيامة ببيت المقدس، وفي هذا اليوم تجتمع النصارى من سائر الأرض، وتنزل عليهم نأر من السماء فيسرج هناك الشمع، ويجتمع فيه من المسلمين خلق عظيم للنظر إلى العيد، ويقتلع فيه ورق الزيتون، ويكون للنصارى فيه أقاصيص، ولهذه النار حيلة لطيفة وسرّ عظيم.

(*) مروج الذهب للمسعودي باب سر تسمية المهرجان.

أما المقريزي فيطلعنا على المزيد فيقول المقريزي في إتعاظ الحنفا :

وفيها " سنة 398 " خرج النصارى من مصر إلى القدس لحضور الفصح بقمامة على عادتهم في كل سنة بتجمل عظيم كما يخرج المسلمون إلى الحج فسأل الحاكم "القادر بالله أبو العباس بن إسحق " ختكين الضيف العضدي أحد قواده عن ذلك لمعرفته بأمر قمامة فقال هذه بيعة تعظمها النصارى ويحج إليها من جميع البلاد وتأتيها الملوك وتحمل إليها الأموال العظيمة والثياب والستور والفرش والقناديل والصلبان المصوغة من الذهب والفضة والأواني من ذلك وبها من ذلك شيء عظيم‏.‏

فإذا كان يوم الفصح واجتمع النصارى بقمامة ونصبت الصلبان وعلقت القناديل في المذبح تحيلوا في إيصال النار إليه بدهن البيلسان مع دهن الزئبق فيحدث له ضياء ساطع يظن من يراه أنها نار نزلت من السماء‏.‏

فأنكر الحاكم ذلك وتقدم إلى بشر بن سورين كاتب الإنشاء فكتب إلى أحمد بن يعقوب الداعي أن يقصد القدس ويهدم قمامة وينهبها الناس حتى يعفى أثرها ففعل ذلك‏.‏

ثم أمر بهدم ما في أعمال مملكته من البيع والكنائس فخوف أن تهدم النصارى ما في بلادها من مساجد المسلمين فأمسك عن ذلك‏.‏

 (*) إتعاظ الحنغاء للمقريزي باب سنة ثمان وتسعين وثلثمائة.

وهكذا أمر الحاكم بهدم البيعة أو الكنيسة لطمس الحقيقة بدلا من التفكر فيها والأقرار بها ومن يومها وينتهج شيوخنا وإعلامنا نفس أسلوب الحاكم بطمس الحقيقة بدلا من إجلائها وتسليط الضوء عليها!!

وبرغم ظهور النور وبرغم تأكدهم جميعا أنه جاء من السماء إلا أنهم تعاموا عنه ليتم فيهم الكتاب القائل لهم عيون ولا يبصرون وأمر الحاكم بهدم كنيسة القيامة كما فعل اليهود سابقا بهدم كنائس النصارى.

قال المقريزي في الخطط : زار " فخر الدين ناظر الجيش المعروف بالفخر في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون " مرّة القدس وعبر كنيسة قمامة فسمع وهو يقول عندما رأى الضوء بها‏:‏ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " والفخر كان نصرانيا وأكره على الإسلام "‏.‏

 (*) الخطط والموعظ للمقريزي باب جامع الفخر.

يذكر القلقشندي أعياد قبط مصر : العيد الرابع ؛ سبت النور وهو قبل الفصح بيوم‏.‏

يقولون‏:‏ إن النور يظهر على مقبرة المسيح في هذا اليوم فتشتعل منه مصابيح كنيسة القمامة بالقدس‏.‏ قال صاحب مناهج الفكر وغيره‏:‏ وما ذاك إلا من تخييلاتهم النيرنجية التي يفعلها القسيسون منهم ليستميلوا بها عقول عوامهم الضعيفة وذلك أنهم يعلقون القناديل في بيت المذبح ويتحيلون في إيصال النار إليها بأن يمدوا على جميعها شريطاً من حديد في غاية الدقة مدهوناً بدهن البيلسان ودهن الزنبق فإذا صلوا وجاء وقت الزوال فتحوا المذبح فتدخل الناس إليه وقد اشتعلت فيه الشموع ويتوصل بعض القوم إلى أن يعلق النار بطرف الشريط الحديد فتسري عليه فتتقد القناديل واحداً بعد واحد إذ من طبيعة دهن البيلسان علوق النار فيه بسرعة مع أدنى ملامسة فيظن من حضر من ذوي العقول الناقصة أن النار نزلت من السماء فأوقدت القناديل فالحمد لله على الإسلام‏.‏

 (*) صبح الأعشى للقلقشندي باب الضرب الثاني من أعياد القبط الصغار وهي سبعة أيام.

نعم إن ما أستشهدت به سيصعق الكثيرين الذين وثقوا في شيوخهم الكذابين وفي قنوات التعتيم العربي والإسلامي التي لم تجرؤ واحدة منها أن تعد تقريرا عن النور المقدس أما لهؤلاء المتعامين والذين يقولون أنها خدعة لم يكتشفوها فأقول لهم إن الدارسين يعرفون أنها ليست خدعة لكنها حقيقة ؛ فتلك النار أو النور هو الذي أشتعلت به العليقة التي رأها موسى ولم تحترق وهى نفسها النار التي كانت تأكل الذبيحة أو القرابين.

الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 183 آل عمران

نعم ظهور النار يوم قيامة المسيح تتشير على تقبل الرب ذبيحة المسيح. 

أما أنت يا أبني المسلم ويا أخي فلا تكن محاميا للشيطان ولا تكن شاهد زور فالحقيقة هى حقك الثابت والذي لا يحق لأحد أن يسلبك إياه تحت أي مسمى أرجع إلى مراجعي التي أستقيت منها أدلتي لتعرف الحقيقة. نعم إنني أرجو أن أكون قد أضأت شمعة في ظلمة إعلامنا المسيس والمتاجر حتى بدم أبنائه.

أخيرا ها هى صرختي أوجهها إلى كل من يبحث عن الحقيقة ويهمه أمر آخرته إرجعوا إلى ما كتبت وإلى أسئلتي التي طرحتها وواجهوا بها شيوخكم وعلمائكم وناقشوهم بالعقل والمنطق راجية من الرب أن يفتح عيونكم وقلوبكم ويكشف لكم حجم الزيف والخداع والكذب الذي كنت أنا أحد ضحاياه ولمدة 45 سنة هى عمري في الإسلام.

أشكر الرب الذي أنار ليّ الطريق والدرب وبغناه أعطاني أن ألمس صلبه وفدائه وخلاصه لا بعقلي فقط لكن لمسته بحواسي أيضا فلا أزل أذكر رائحة دم مخلصي في أول قداس حضرته. فأقول مع بولس الرسول اما من جهتي فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح ؛ فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة واما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 جزيـرة العرب قبل الإسلام